تعجبت للطريقة التي تعامل بها وفد التفاوض للحكومة الانتقالية مع الرؤى الشخصية التي طرحها الأستاذ محمد جلال هاشم عضو وفد التفاوض عن الحركة الشعبية جناح الحلو في فيديو متاح في الأسافير ، فالرجل كان صريحا وواضحا في رأيه الشخصي عما يجري من تفاوض وعن رأيه في الشخوص المشاركة في التفاوض وقدراتهم ، وكلها قضايا وآراء ليست ممنوعة عن الحديث وخاض فيها كثير من المنشغلين بالسياسة في هذا البلد من قادة رأي وقادة أحزاب سياسية وقادة مجتمع ، وكثيرون منهم انطبقت اراءهم مع كثير من الأراء التي صرح بها الأستاذ محمد جلال هاشم ، وبالتالي ليس هناك داع لهذه الغضبة المضرية لوفد التفاوض الحكومي والتي وصلت مرحلة تقديم احتجاج رسمي لدى لجنة الوساطة على هذا الفيديو .
نعم الأستاذ محمد جلال هاشم كان حادا في طرح رؤيته وهذه طبيعته لمن لا يعرفه فهو نرجسي وليس من السهل هضمه وخاصة من قبل الشخصية السودانية العادية التي تعشق من يألفون ويؤلفون، وبالتالي إدارة معركة مع رجل بهذه الطبيعة لن يقود إلى شيء ،وقد يضع مزيدا من الطين والعراقيل في درب التفاوض .
بالعودة لحديثه ، فالرجل تحدث عن موقف حركته من العلمانية وتقرير المصير ، وهذا جزء من التفاوض نفسه وماذكره لا يعدو أن يكون تنويرا للجماهير عن موقف حركته التفاوضي ، وهو أمر طبيعي لا يستوجب الاحتجاج ، تحدث كذلك عن رأيه الشخصي في الطريقة التي يدير بها وفد الحكومة التفاوض وعلق على قدرات الوفد التفاوضية من وجهة نظره الشخصية ، وهنا قد يكون مصدر احتجاج الوفد التفاوضي ، بيد أن الحقيقة هي ان الشعب لم يختار وفد التفاوض الحكومي بالتصويت وإنما اختير بواسطة مجلس السيادة ، ولم يشارك في هذا الاختيار مجلس الوزراء ولا قوى الحرية و التغيير، مع العلم بان قضية السلام كان يجب أن تكون قضية تنفيذية من صميم عمل مجلس الوزراء ولكنها الآن بالكامل في يد مجلس السيادة ، وبالتالي من حق الجماهير أن تعرف قدرات هذا الوفد والصورة التي يعكسها في التفاوض ويمثل بها دولة السودان ، فالقضية المطروحة للتفاوض ليست قضية سهلة ولا بسيطة ، بل هي قضية السودان المركزية منذ ما قبل الاستقلال ، قضية الحرب والهوية .
من الشجاعة ان يتم نقد الوفد التفاوضي للحكومة وتقييم أداءه والصدق مع الجماهير في تقييم قدراته وهل هي كافية لإنجاز قضية معقدة وشائكة وحساسة كقضية السلام ام لا ، وليس عيبا أن ياتينا هذا التقييم من عضو وفد التفاوض للحركة الشعبية ، فالأستاذ محمد جلال هاشم هو جزء من ثورة ديسمبر قبل ان يكون عضو حركة شعبية ، شارك في الثورة وكان من الناشطين فيها على الأرض .واذا اظهر التقييم حوجة لتدعيم الوفد فليس عيبا تدعيم الوفد بمستشارين من العلماء في السياسة والاجتماع والتاريخ والقانون ، حتى يتم بحث القضايا بطريقة علمية ، تنجز بكفاءة هذا الملف الأكثر أهمية في هذه المرحلة من تاريخ السودان .
مصلحة وفد الحكومة في تحقيق السلام ، وليس من مصلحته وضع عراقيل ساذجة من نوعية هذا الاحتجاج ، مجيء السلام ثمنه أن ( يشيل ) وفد الحكومة ( فوق الدبر ) وأن يحتمل الأذى من أجل أطفالنا الجوعى و شيوخنا المرضى و نساءنا اللائي يمتن بسبب الحرب في حالة ولادة ، من أجل النازحين واللاجئين وليس من أجل ذوات المفاوضين الحكوميين وكبرياءهم ، فلا كبرياء في وطن بلا سلام ، لا كبرياء مع الحرب، فليتخلص الوفد التفاوضي من إثارة القضايا غير المتعلقة مباشرة بالسلام وان ينظر خلفه للملايين التي تنتظر السلام ولا تحفل كثيرا بما يقال هنا وهناك من آراء شخصية.
sondy25@gmail.com