في عام ٢٠١٧ أصدرت منظمة الشفافية العالمية السجل السنوي للدول الاكثر فسادا في العالم ، و قد تربع سودان المخلوع البشير بجدارة على قمة الدول الاكثر فسادا في العالم ، محتلا الموقع الرابع من الاخير من ضمن ١٨٠ دولة ، تقع خلفه سوريا و جنوب السودان و الصومال ، سوريا تعاني من حروب مهلكة ، و كذلك دولة جنوب السودان ، بينما لا توجد دولة من الأساس في الصومال ،ولذلك باستبعاد هذه الدول لظروفها الداخلية يتربع سودان البشير على قمة الدول الأكثر فسادا في العالم بجدارة .
في ٢٠١٩ حدث تحسن طفيف في موقف السودان وأصبح السادس من الاخير ( عوضا عن الرابع في ٢٠١٧ ) وهو تحول يحسب بلا شك لثورة ديسمبر ، ولكن هل انتهى الفساد تماما؟ بالتاكيد لا ، هل انتجت الثورة فسادا جديدا ؟ لنجيب على هذا السؤال دعونا نطلع على ابسط اشكال الفساد التي تستخدمها المنظمة في التصنيف وتتلخص في الرشوة والاختلاس ،الغش والابتزاز ، إساءة استعمال السلطة ، ومحاباة الأقارب باعطائهم الوظائف و الخدمات . لن يتفاجا اي منكم حين يتذكر ان كل هذه الاشكال من الممارسات الفاسدة كانت هي ما يمييز حكم المخلوع ، يشاهدها المواطن أمامه حيثما ذهب ، في السوق ، في العمل ، في الشارع ، في مؤسسات الحكومة ، وفي اي مكان ، وبما أن المخلوع قد أطاحت به الثورة وجاءت الحكومة الانتقالية فهي الآن ستمر بذات الاختبار ، فعل هي مستعدة ؟ هل ثمة ممارسات فاسدة في الحكومة الانتقالية ؟ وهل باستطاعتها الحد من هذه الممارسات ؟
الفساد الحكومي عادة مرتبط بمواقع العمل ، بالوظيفة العامة ، والفساد في مواقع العمل في كثير من الأحوال يرتبط بالعائد المادي ، تقول الباحثة الأمريكية في شئون الفساد والحكم روز اكرمان ( اذا ما كانت الأجور في القطاع العام منخفضة جدا فقد يجد الموظفون انفسهم تحت ضغط لتكملة مدخولهم بطرق غير رسمية ) ، أبحاث تجريبية قام بها الباحثان ريجيغام و ويدير في بعض البلدان الاقل نموا ، أثبتت أن هناك علاقة عكسية بين مستوى الأجور في القطاع العام و تفشي الفساد . للحد من الفساد الناتج عن هذه الحالة أوصت اكرمان بتنفيذ باستراتيجية حكومية تستهدف دفع أجور كافية لموظفي الخدمة المدنية ، كما أوصت بزيادة الشفافية الحكومية وهذا يعني الشفافية و الوضوح في الإنفاق الحكومي ، مما يعني ان كل جنيه يدخل او يخرج من الحكومة يجب أن يكون معروفا ومتحكم فيه وفي النور و ليس تحت الترابيز أو في الغرف المظلمة . نيوزيلندا احتلت المرتبة الأولى عالميا في الدول أقل فسادا لأنها البلد الأكثر شفافية في قضايا المال العام والمسؤولية المالية .
اندلاع ثورة ديسمبر ينتظر منه ان يحدث تحول دراماتيكي في واقع الفساد ، وواضح ان الجماهير مستعدة لقيادة هذا التحول حيث أصبحت تطالب أكثر وأكثر بحقها في الشفافية والوضوح ، كما أضحت حريصة على كشف الفساد ومحاسبة المفسدين . اصبحت هناك رقابة شعبية على كل حركة في الشئون العامة ، هذا فضلا عنوالنصوص الدستورية التي احتوتها الوثيقة الدستورية والتي أسفرت بوضوح لا لبس فيه عن الدعوة لمحاربة الفساد ، هذا الجو بهذه المعطيات مهيأ تماما لمحاربة الفساد والقضاء عليه ، فالفساد مدمر للنفس والبلاد ، ومعطل للطاقات ، معركة محاربة الفساد يجب أن لا تقل أهمية عن معارك تحقيق السلام والإصلاح السياسي والقانوني ، فالفساد يمكن أن يعصف بكل شيء، بالسلام والحرية والعدالة ، فلننتبه .
sondy25@gmail.com