في حديث لاحد موظفي وزارة التجارة والصناعة ذكر بأن من أكبر المشاكل التي تواجههم في قضية الخبز هي غياب المعلومات ، غياب المعلومة عن عدد المخابز وأين تقع ومن وكيلها وكم تستلم وكم تعجن وكم مساحة المنطقة التي تغطيها وهل بالفعل استلمت حصتها وهل بالفعل عجنت وخبزت كامل الحصة وباعتها للجمهور والخ من الأسئلة المهمة في عمل الوزارة ، والحقيقة أن نوعية هذه المعلومات هي معلومات مهمة وحيوية لدى اي وزارة وخاصة الوزارات المتعلقة بتقديم الخدمة اليومية للجمهور ، وغياب نظام يحدث هذه المعلومات باستمرار يجعل عمل هذه الوزارت ونجاحها عسير جدا ان لم يكن مستحيلا .
وبالمناسبة غياب المعلومات لا يوجد فقط في وزارة التجارة والصناعة بل هو موجود في كل الوزارات تقريبا ، اذهب لأقرب وزارة واطلب ابسط معلومة متعلقة بعمل هذه الوزارة ولن تجد إجابة واضحة ، وإذا وجدتها وذهبت وعدت بعد ساعة سيعطونك إجابة مختلفة تماما ، هناك غياب ممنهج للنظام ( system ) عملت عليه الانقاذ طيلة فترة وجودها في الحكم بغرض إخفاء المعلومات وعدم تمليكها للرأي العام الداخلي والخارجي .
عالم اليوم أثمن ما فيه هو المعلومة ، من يملك المعلومات يستطيع أن يخطط وينفذ ويقيم ويعيد التنفيذ بصورة صحيحة وسينجح لا محالة في النهوض والتقدم ، البلاد التي تملك المعلومات تستطيع أن تخدم المواطن بصورة سهلة وسريعة ، بينما غياب المعلومات يبطيء الخدمة ويجعلها عسيرة لدرجة بعيدة ، ابسط مثال خدمات المرور والجوازات والرسوم البنكية والمرتبات وخدمات الوزارات كلها يمكن إنجازها من خلال توفر معلومات شاملة وموقع الكتروني يسجل فيه المواطن من خلال معلوماته المتوفرة لدى وزارة الداخلية ، ولكن هل لوزارة الداخلية هذا النظام ؟ هل تملك معلومات كاملة عن السكان وعن سجلاتهم؟ لا اظن ذلك ، لا اظن ان هناك وزارة واحدة تملك معلومات رقمية حيوية عن كل أعمالها .
سألنا عن عدد الأطباء السودانيين الموجودين في دول الخليج فلم نجد معلومة لا عند وزارة الخارجية لا وزارة الصحة لا السفارات ، هذه معلومة بسيطة لو كان هناك نظام الكتروني يربط هذه الوزارت الثلاث مع بعض ( الصحة والخارجية والداخلية والسفارات ) كنا سنجدها وبالتفصيل ، إذ الطبيعي لو كان هناك نظام وسيستم ان يكون لكل سوداني مغترب سجل كامل مفصل ومصنف وبالتالي تسهل معرفة عدد الأطباء وعدد المهندسين وعدد المحاسبين والخ ، ولكن لا يوجد اصلا نظام ربط يربط هذه الجهات ولا توجد معلومات . كنت في كل رحلة لي كمغترب اعيد دفع الزكاة والضرائب عن السنين السابقة رغم أنني دفعتها من قبل ،كل هذا بسبب غياب النظام وغياب المعلومة لدى الدولة أو تعمد إخفاء المعلومة لدى دولة الانقاذ لسرقة الشعب والنصب على الجماهير .
غياب المعلومات يجعل الحكومة الانتقالية اليوم لا تملك اي سجل لأي معلومة حيوية وهذا يجبرها على بدء وضع نظام وسيستم من الصفر وهي عملية شاقة وطويلة وقد لا يصبر الشعب عليها في ظل الفترة الانتقالية في ظل وجود ضائقة اقتصادية ، ولكنها في نهاية الأمر عمل لابد منه ودرب لابد أن تسلكه الدولة ان أرادت خدمة المواطنين بصورة أسرع وافضل .
عالم اليوم هو عالم التكنولوجيا ، التكنولوجيا لا تساوي شيء بدون معلومات، تغذية التكنولوجيا بالمعلومات توفر للدولة والمواطن قناة اتصال سهل و وسريعة ، وهذا ما يعرف بالنظام ( system ) ، تحتاج هذه البلاد لنظام حديث تكنولوجي يتم تغذيته بكل المعلومات عن السكان والخدمات والشركات والسيارات والمدارس والجامعات والمستشفيات والمراكز الصحية والمزارع ورؤوس الثروة الحيوانية وكل شيء مرتبط بالدولة ، كل شيء يجب أن يكون في سستم واحد مربوط بيد الحكومة ، كل قسم منظم ومرتب مهما عظم يمكن إدارته من خلال مكتب صغير به أجهزة حاسوب ، بينما قسم صغير غير مرتب ولا يوجد فيه system سوف تصعب إدارته الا بتوظيف مئات الموظفين الاداريين .
ما قالته موظفة وزارة التجارة والصناعة هو أحد الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى ضعف وبطء عمل الحكومة الانتقالية وهو غياب المعلومة وعدم وجود نظام system سابق في الدولة وجاهز يمكن الاستفادة منه ، وهذا بالضبط الفرق الذي ظللنا نذكره بين حكومتي عبود والنميري وحكومة البشير، عبود والنميري تركوا الخدمة المدنية كما هي تركوا النظام الsystem كما هو لم يعبثوا به ، بينما عبثت حكومة البشير بالخدمة المدنية عبثت بالنظام ودمرت الsystem جعلت البلاد وهي في القرن الحادي والعشرين وكأنها بلاد في القرن السابع عشر .
الحكومة الانتقالية عليها ان تنجز النظام ال system بسرعة ، فهو الطريق السريع لتبادل المعلومات واتخاذ القرارات ووضع الخطط وتنفيذها وتقييمها والا صارت دولة تخطو في الظلام ، دولة بلا نظام بلا سستم تساوي ( لا دولة ) .
sondy25@gmail.com