(حرية – سلام – عدالة) كان شعاراً صادقاً في تعبيرهُ عن ما كان (يفتقدهُ) الشعب السوداني إبان الحكم البائد ويتوقُ إلى الحصول عليه ، والدليل أنهُ أصبح رسالةً واضحة المعالم عبَّرت عن (ما يطلبهُ الثائرون) من حكومتهم الإنتقالية في قائمة (الأولويات) ، لذا وبغض النظر عن التفاصيل المُعقَّدة لسلسلة النصوص والإجراءات التي تقترحها وزارة العدل في إطار إعادة بناء المنظومة العدلية والقضائية و(تطهيرها) من ما ألم بها من (فساد) بسبب التمكين والتدجين في عهد الإنقاذ البغيض لتعود كما كانت في أزمنة سابقة ( مُقدسة ومُستقلة) ، حق للحادبين على إستمرار مسيرة التغيير وبناء السودان الجديد أن يعتبروا كل محاولة (للتحايُّل) على مُخطَّط إعادة البناء في هذا القطاع الإستراتيجي هو في حقيقية الأمر ليس أقل من (إنقلاب) على مسيرة الديموقراطية وإرادة وتطلعات الجماهير ، أو بالأحرى فإن معارضة ومُناهضة مخطَّطات تصحيح المسار العدلي في السودان هو (قمة) ما يمكن وصفهُ بـ (مقاومة) الدولة العميقة داخل الهيئة القضائية لثورة ديسمبر المجيدة ومن دعموها بأرواحهم وجراحهم وصبرهم على الأذي.
عندما تتوافق توجهات السيدة / رئيسة القضاء مع الذين (يتواطئون) على إرادة الشعب ورؤيته المُتمثِّلة في كون القطاعين العدلي والقضائي محط للمشكلات ولا يُعبِّران عن الحِياد المهني والآيدلوجي بما يتناسب وطموحاته ، وذلك عبر التلويح بمبدأ (إستقلال) القضاء وعدم شرعية أن يصدر أمر المراجعة والتقويم من جهةٍ (خارجية) على حد تعبيرهم ، ذلك بالنسبة للذين هتفوا إبان الثورة و(حلموا) بعودة العدالة ناصعة كما كانت ، مُجرَّد (إلتفاف) ناتج عن (رُعبٍ) ماثِل في قلوبهِم ولشيئٍ في نفس يعقوب.
مبدأ إستقلال القضاء يستهدف (حماية العدالة) لصالح الشعب وليس لصالح بعض (القُضاة) الغارقين في مُستنقع تمكين العهد البائد ، وليس من المنطقي ولا العقلانية أن نطلب من الهيئة القضائية وهي على وضعها الذي كانت عليه في عهد الإنقاذ على مستوى الشخوص والقوانين واللوائح والنُّظُم أن تعمل على (تقويم) نفسها دون تدخل ، فالنتيجة لن تخرج عن دوامة التمترُس فيما نحن فيه وما كُنا عليه ، وذلك تطبيقا للمثل السوداني السائد (الفي إيدو القلم ما بكتب لي روحو شقي).
إستقلال القضاء لن يجبرنا على إعتبار القطاع القضائي (جزيرة معزولة) لا تتجاوب ولا تتناغم مع متطلبات الجماهير وإشتراطات الثورة وبرامجها التصحيحية التي لا تقبل المساومة ، ولن نسمح أن (يستعلي) بإسمه أيَّاً كان على التقويم وإعادة الهيكلة وتعديل النُظم بما يواكب تطلُّعات الشعب للحصول على منظومة عدلية وقضائية شعارها النزاهة والمهنية والإستقلال في مواجهة الدولة وليس الشعب.
ما يثير الإستغراب في أدوات مقاومة مُناهضي إعادة بناء القطاع العدلي والقضائي وتصحيح مساره ، إستنجادهم بالمجلس السيادي في محاولة لإستمالة المكوِّن العسكري أو المجلس بأكمله ، لحمايتهم مما نعتقد نحنُ ومعنا آخرين أنهُ (مُجرَّد) تقويم وإعادة هيكلة وتعديل نظُم بأمر الثورة الشعبية ! .. أليس في ذلك ما يثيرُ الرِيبة والشك ؟.