كعادتهم هبّ السودانيون لدعم ومؤازرة منتخب السودان دون العشرين الذي يشارك حالياً في بطولة العرب بالرياض، وككثير من المرات عاد أبناء السودان بظن خائب بعد أداء عائب من “الأولاد”، فأنبرت الأسافير والصحف “الزعلانة” تسلخ جلد الصغار وتلوم الكبار، وبدوري حملت قلمي ودونت اسمي في “كشف” الذم والشجب والإدانة.
ليلة الهزيمة أمام ليبيا ذهبت للفندق فوجدت البهو خالياً من أي مظهر سوداني فلملمت استفساراتي ووجعي وغادرت. ثم عدت في الليلة الثانية لأجد العمائم تزاحم المكان وزوار البعثة مع أعضائها شكلوا حلقات نقاش أكدت تفاعل سكان الاغتراب مع بعثاتنا الرياضية، وتسابقهم في الاحتفاء بها برغم النتائج البائسة على مدى عشرات السنين إلا من بعض إشراقات تضيء كل 10 أو 20 عاماً مرة.
استمعنا للكوتش محمد موسى وهو يتحدث عن حال المنتخب وكيفية إعداده ودواعي المشاركة، فبدأ الرجل المهذب هادئاً وهو يفند أسباب “زعلنا” بأن هذا الفريق لم يمر على “تجميعه” أكثر من 18 يوماً، وكان بهدف بناء فريق تحت العشرين للمشاركات الخارجية التي تنطلق أولاها في أكتوبر القادم، وكان ود موسي أكثر وضوحاً حين أشار إلى توجيه الاتحاد بقيادة البروفيسور كمال شداد بضرورة الالتزام بلائحة البطولة، وإشراك مواليد 2001 حتى 2003 فقط، وأضاف لو كنا نريد نتائج لأشركنا مواليد 2000 بقيادة أبوجا ومؤمن صديق وأخوانهم وهو فريق جاهز وأحرز انتصارات عديدة في أفريقيا، وقد أعجبتني مصداقية محمد موسى حين قال: لو خرجنا من هذه البطولة بخمسة لاعبين أو ستة كنواة لمنتخب دون 20 نكون قد حققنا بعض أهداف المشاركة، وكشف الكوتش عن معاناتهم في جمع اللاعبين من ولايات السودان وبعضهم ليس له نادٍ، وبعضهم ظل بعيداً عن أجواء المعسكرات والمباريات في الملاعب الكبرى، وهذه كلها جوانب نفسية تؤثر سلباً في مظهر اللاعبين وحضورهم الذهني داخل الميدان، مما دعاني لاستحضر أهمية المعد النفسي وأثره في تأهيل اللاعبين نفسياً وإحراز نتائج إيجابية، وهنا تحضرني جهود ابن الهلال الوفي د. بكري فالح مع لاعبي الهلال وكيف ساهم معهم في عدد من الانتصارات بالنصح والمعالجة النفسية، ورغم اتفاق كوتش ود موسي معي وحديثه الطيب عن د. فالح إلا أن إداراتنا ولاعبينا مازالوا ينظرون لهذا الجانب بأنه كلام فارغ أو هم عاقلين وما محتاجين زول يعالجهم …
البروفيسور محمد جلال نائب رئيس الاتحاد هو الآخر ذهب مذهب مدرب المنتخب، ولم يكن منزعجاً من النتيجة، بل أكد الهدف من المشاركة ببناء فريق ناشئين مشرف خاصة في وجود خبير فرنسي ينتظرون منه نتائج ترضينا مستقبلاً.
عن نفسي خرجت من الحوار قنوعاً بما سيتحقق من نتائج ولن أنزعج ولو انهزم السودان غداً من السنغال بأي نتيجة، فقد شاهدت أحجام أولاد السنغال، وأكاد أشك أنهم في أعمار تقارب بوي وصلاح نمر.. ولعلكم تشاركوني الظن بأن أعمار لاعبي منتخب ليبيا ربما تناسب إن انضموا لجيش حفتر فضلاً عن المعسكر الذي أقاموه في تونس، ووديتهم مع منتخب السعودية، بينما منتخبنا استعد بالزمة وكانت “الزومي مي متضايقي”.
إذن دعونا ندعم توجه الاتحاد لبناء منظومة كروية تلبي تطلعاتنا وتبعدنا من هذه الدائرة المظلمة التي مكثنا فيها زمناً طويلاً ونحن “سلة هزائم العالم” الكروية، وهذا أمر لن يأتي إلا بتخصيص الميزانيات والاهتمام الرسمي من الدولة ودعم المؤسسات الوطنية وبناء الشراكات مع الدول الصديقة والشقيقة، فضلاً عن تجاوز السلوك الإنقاذي الذي كان يقوم على تزوير أعمار اللاعبين في الأندية والمنتخبات لقصر نظر القائمين على أمر الرياضة من الذين أتت بهم حكومة المخلوع من باب الترضيات، وهم لا يعرفون الفرق بين سلة الملعب وسلة الملاح، ولا الفرق بين شبكة الملعب وشبكة السمك.
جملة أخيرة:
كعادتهم أقطاب رابطة الصالحية شكلوا حضوراً باذخاً مع البعثة وانشؤوا غرفة عمليات لكافة احتياجات البعثة، وكانت رابطة الهلال حضوراً بهياً في الفندق والملعب تقدم الدعم اللوجستي والمعنوي، كما لم يغب أهل المريخ في تلبية نداء الواجب … وسنظل جميعنا تحت تصرف البعثة حتى تغادر راضية مرضية.