..تناقلت الصحف الورقية والإلكترونية وتبعتهم السوشال ميديا أن المواطن محمد يحيى، أحد أيقونات الثورة والشهير بدسيس مان قد حكم عليه بالسجن أربعة أشهر بالغرامة عشرة آلاف جنية وفي حالة عدم الدفع السجن شهرين. ويقول الخبر المنشور بصياغة واحدة في مختلف الصحف أن التهمة التي أُدين بسببها دسيس هي تهديد رجل شرطة بالفصل.
علمتني التجربة الصحفية أن أضع خطين تحت الاخبار التي تنشر علي الصحف من دون اسم الصحفي الناقل للوقائع. وكذلك الأخبار التي تنشر بصيغة تحريرية واحدة، فالغالب أن جهة واحدة دفعت بالخبر جاهزاً لمختلف الصحف وهي تريد النشر دون استعداد للادلاء بمزيد من التفاصيل .. وذلك ما كان بالنسبة لخبر محاكمة دسيس مان العاجلة. حيث بدأ الخبر كأنه نسخ ولصق خاصة وأنه لم يذكر اسم الشاكي كخصم أنما “الشرطة”.
تفاوتت ردة الفعل والآراء ما بين متحامل علي الشرطة بان الدافع هو الانتقام لجلالة”:”كنداكة جات بوليس جرا” ” ومتحامل علي دسيس بسبب تغنيه للدعم السريع”دعم دعم دعمن دعما” وبين من رأى أن شعار الثورة حرية سلام وعدالة فلتأخذ العدالة مجراها؛ لأن دسيس هدد ضابط شرطة وعموماً له حق الاستئناف.. وما كنت لاكتب لو اقتصرت محاكمة دسيس بين جدران المحكمة، غير أنها تجاوزت جدران المحكمة والسجن بنشر صورة قرار المحكمة وتعميم الخبر علي الصحف والملأ . فيحتم علينا العدل والإنصاف أن نعيد قراءة الخبر.
لم يتجرأ من تطوع بنشر صورة قرار الحكم علي الانترنت أن ينشر الحيثيات.. وخلت المحكمة من محام، وليس هناك ما يؤكد استماع المحكمة الى شهود الدفاع ولا أدري هل هي محاكمة عادية أم ايجازية.. ويا عيب الشوم علينا إن كانت محاكمة ايجازية في عهد الثورة.
بدا لي الخبر كخبر تهديد رجل لكلبٍ بالعض .. لأن المنطقي هو أن التهديد يأتي من القوي علي الضعيف .. رجل أعمال شهير أو رجل دولة أو سلطة يمكن أن يهدد ضابط شرطة بالفصل، ذلك معقول. فأدوات التهديد هي المال والسلطة والسلاح. يملك منها الضابط الشاكي علي الاقل اثنتين. فماذا يملك دسيس مان لتهديد من هو أقوي منه وبعرينه بالرفد؟ ما الأدوات التي يمكن أن يستخدمها رجل ضعيف لتهديد رجل قوي؟ فرجل الشارع العادي ليس له غير “القانون” و”الرأي العام” ليهدد بهما وتلك أدوات مشروعة. فالذي يري أن الرأي العام والقانون “مُهدد”.. عليه أن يتحسس مسدسه.. و ذلك أدعى لجعلنا نعيد قراءة الخبر.. فدسيس مان لم يقل سافصل رأسك عن جسدك.. ولم يك هناك محام وشهود دفاع لإثبات هل قال دسيس للضابط” كلامك دا حيفصلك”او قال “أنا حافصلك” وفي الروايتين.. هل يتم فصل الشرطي بلا قانون؟
تنص المادة 103 من القانون الجنائي التي حُوْكِم تحتها دسيس مان: تهديد الموظف العام ” من يوجه إلى موظف عام تهديداً بالإضرار به لحمل ذلك الموظف على القيام بعمل يتعلق بوظيفته أو الامتناع عنه أو تأجيله ، يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز سنة أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً”. فما هو الفعل الذي نوى دسيس مان أن يفرضه على الضابط أو يمنعه من فعله؟ ذلك ما كان علي الشاكي إثباته لو حضر محام عن دسيس مان. اللهم الاّ ان كان للتهديد معان أُخر.
عموماً قضية دسيس تٌذكرنا بضرورة ضبط أو إلغاء المحاكمات الإيجازية العاجلة المطلوق لها العنان حسب قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م في كل الجرائم عدا الجرائم التي عقوبتها الإعدام . المواد 175-176و 177 تعطي للقاضي بل تنص صراحة المادة 177 على عدم ضرورة تدوين البينة ولا تحرير التهمة وصاحبة هذه الاسطر لها قضية امام المحكمة الدستورية ضد المواد الثلاثة المذكورة سالفاً منذ عشر سنوات. حيث تغمط المحاكم الايجازية عادة حقوق المتهم في الاستعانة بمحام والاستماع إلى شهود دفاع.. اأو تدوين الحيثيات الكافية واللازمة للاستئناف .. فهل يتناسب هذا مع شعار “حرية سلام و عدالة”؟ صحيح أن نوع من المحاكم السريعة موجودة حتى في الغرب ولكن يُعطى المتهم حق الاختيار بين جرجرة المحاكم العادية أو المحكمة السريعة .. كما اأها في قضايا بسيطة مثل استغلال البصات العامة أو المترو بلا تذاكر.. لكن إطلاق المحاكم الإيجازية ودون أن يعلم المتهم أو حتى محاميه إن وجد أن المحكمة التي يقف أمامها إيجازية، فذلك هو الاستهتار بالعدالة .. وهذا ما حدث معي شخصياً حيث رفض القاضي الاستماع إلى شهود دفاع رغم أن القضية كانت تحت سمع وبصر كاميرات العالم، فما بالك بما يتم في الظلام؟
لا أدعو إلى مسيرة أو موكب، فأشم أن الموضوع أصلاً استدراج، انما أدعو للوقوف مع دسيس مان في محنته فقد رسم البسمة على وجوهنا في زمن عصيب.. و لا أشك أن أكثر من محام قد تبرع للدفاع عن دسيس في مرحلة الاستئناف .. وأقول: أقلُّوا اللوم عاذل و العتابا.. و قولوا ان اصاب لقد أصابا .. فبعد مخاطبة الفريق حميدتي لورشة حقوق الانسان التي نظمتها “اليوناميد”،لا أحمل على دسيس التغني وسط جنود الدعم السريع. كما أن هناك أكثر من واحد من مدنيي مجلس السيادي لا ينقصهم الا الترنم: دعم دعم دعمن دعما! ..
وكفارة يا دسيس لا أشك أن زملاء السجن سعداء بك هذه الأيام.