قبل ستة أشهر كتبت مقالا ادعو فيه إلى ترشيح الشعب السوداني لجائزة نوبل للسلام ، فهو حقق انتصارا سلميا اعجازيا على أعتى دكتاتور حي في أفريقيا . الدكتاتور عمر البشير هو الدكتاتور الوحيد في العالم المطلوب القبض عليه دوليا لارتكاب جرائم حرب وابادة وجرائم ضد الإنسانية . فشلت المحكمة الجنائية ودول العالم في القبض على البشير ، بينما فعلها شعب السودان ، فشل العالم المدرع بالأسلحة والاستخبارات وحققها شعب أعزل ، فالطبيعي ان ينحني العالم احتراما لهذا الشعب المعلم .
واليوم تتناقل المصادر ترشيح قوى الحرية و التغيير والناشطة الاء صلاح لجائزة نوبل للسلام ، وهو ترشيح مستحق وعادل . خلال العام الماضي لم يعمل شعب بسلمية من أجل الحفاظ على سلامه الداخلي وبالتالي سلام العالم كما فعل شعب السودان ، خلال الفترة الممتدة من ديسمبر ٢٠١٨ إلى أغسطس ٢٠١٩ ، مر هذا الشعب بكل الاختبارات والمطبات التي تهدد السلام ، ولكنه ظل صابرا متمسكا بالسلمية حتى انتصر .
بالاضافة ، شعبنا يستحق هذا التقدير لكونه شعب سلام ، هو الذي أسقط ثلاث أنظمة عسكرية دكتاتورية بثورات شعبية ( سلمية ) في أقل من قرن ، فهل فعل شعب مثله ؟! . اطاح بعبود في ١٩٦٤ ثم النميري في ١٩٨٥ ، وها هو يطيح بالبشير في ٢٠١٩ . فقط في ٥٥ عاما اطاح هذا الشعب بثلاث دكتاتوريات!! هذا لم يحدث في تاريخ العالم ، ولا تاريخ الشعوب ، ولا تاريخ الثورات ، فالواجب ان ينحني العالم والتاريخ اجلالا واكبارا لهذا الشعب .
انتصار ثورة ديسمبر سلميا كان اشبه بالمستحيل ، كل القرائن كانت تنبيء بالفشل ، وتهدد باحتمال انزلاق البلاد في أتون حرب أهلية ، فثورات الربيع العربي انزلقت لحروب أهلية مدمرة ، والسودان اصلا يعاني من حروب أهلية طويلة الأمد ، معقدة الاسباب ، وتوجد على أرضه أكثر من أربعة جيوش ، بالإضافة الى استناد الدكتاتور البشير على تنظيم ارهابي ديني عالمي مهووس بالقتل و الإبادة . كل هذه المحاذير كانت تقف أمام امكانية نجاح انتفاضة شعب السودان .
رغم كل ذلك خرج شعب السودان للطرقات بالهتاف ، بالسلمية ، سقط عشرات الشهداء ثم مئات الشهداء وألوف المصابين والوف المعتقلين ، ولم يتزحزح ايمان الشعب بالسلمية ، كلما جاءته رصاصة رد عليها بهتاف ، كلما سقط من أبناءه شهيدا فتح صدره العاري أكثر ، ما حمل سلاحا قط ولا أطلق رصاصة ضد الامنجية ، بل وقف كما وقف الشهيد عبدالعظيم ، شامخا امام الرصاص ، حتى انتصر .
طبيعي و منطقي ان تترشح ثورة السودان لجائزة نوبل للسلام ، فالسلام الذي دفعت من اجله هذه الثورة ثمنا باهظا ، كان سلاما لا يحافظ عليه الا الأقوياء ، ولا ينتصر له الا الشجعان ، كان سلاما من الصعوبة جدا المحافظة عليه في بلاد تخطو فوق أرض من البارود ، و لكن شعب السودان كان في الموعد ، فعلها وحقق المستحيل ، مقدما للعالم اجمع الدروس والعبر في النضال السلمي والكفاح المدني .
شارك جميع السودانيين في هذه الثورة ، النساء والرجال ، المقيمين والمغتربين ، القرى والمدن ، المتعلمين والاميين، لم يتخلف أحدا، لذلك ليس مهما من يترشح باسم هذه الملايين ، سواء الاء صلاح او الأصم او جعفر خضر او خالد عويس او بكري علي او غيرهم ، كل أبناء الثورة وبناتها هم أولاد هذا الشعب ، المهم هو ان يترشح السودان ، ان يعترف العالم مرة بأننا ناضلنا ليس من أجلنا فقط بل من أجل العالم ايضا ، ليس لحريتنا فقط ، بل من أجل حرية كل الشعوب المقهورة ، وإن لم يعترفوا بذلك فيكفي أن التاريخ شاهد ، ويكفي أن الأرض الآن في بلادنا تتنفس حرية ، وتهتف قناديل الذرة في بلادنا كلما داعبتها نسمات الفجر الصبي : مدنيااااوو .
sondy25@gmail.com