• من طرائف ما يُذكر عن الإمام أحمد بن حنبل حينما كان مسجوناً في (فتنة خلق القرآن) أنْ جاءه السجَّانُ يسأله عن الأحاديث التي وردت في أعوان الظَّلَمة، فقال له الإمام أحمد هي أحاديثُ صحيحة..ثم سأله: هل أنا من أعوانِ الظَّلَمة؟! فقال له الإمام: لا، لستَ من أعوان الظَّلَمة، إنما أعوانُ الظَّلمة هم من يخيِّطون له ثيابَه، ومن يطهون له طعامه، ومن يساعدُه في كذا وكذا، أما أنتَ فمن الظَّلَمةِ أنفسِهم !!
ورُوُي أنه جاء (خيّاطٌ) إلى سُفيان الثوري فقال: إني رجلٌ أُخيطُ ثيابَ السلطان (وكان السلطانُ ظالماً)، هل أنا من أعوان الظَّلَمة؟ فقال له سُفيان: بل أنت من الظَّلَمةِ أنفسِهم، ولكن أعوان الظَّلَمةِ هم من (يشترون) منك الإبرةَ أو الخيوط !!
ولقد قال بعضُ العلماء إنّ من يناول الظالم دواةً أو قلماً ليكتب به فهو من أعوان الظلمة، ولا شك..تخيلوا !!
لا أحبُّ أن أشخصن المواضيع فيما أكتب، ولكني مضطرٌّ هذه المرة لمَّا رأيتُ صديقةً عزيزةً، وأصدقاء مقربين آخرين يجادلون عن السفيرة المقتدرة، عالية التأهيل، السيدة أميرة قُرناص، وأنها قد تمَّ إعفاؤها من منصبها في الخارجية ظلماً وعدواناً، وأنها إنما كانت (زوجةً فقط) للسيد علي كرتي، وأنها كانت (مؤهلةً) قبل الزواج منه، وأنها إلتحقت بالخارجية حتى قبل إقترانها به !!
• والحقيقة، فإنَّ كلَّ ما ذكره أصدقاؤها وأصدقاؤنا عنها صحيح، ولكن، وقبل أن (نتخوَّض) في شأنِ الأميرة -وإني أعتذر عن ذلك أشد الإعتذار- لابد من تثبيت بعض الحقائق:
• أولاً للأخت السفيرة أميرة قُرناص كامل الحرية أن تتزوج بمن تشاء، وهذا خيارُها وإختيارُها، مثل أي سيدةٍ سودانيةٍ أخرى، ويجب ألا يؤاخذها على ذلك أحد، أو يعايرها به أحد..
• ثانياً لا ينكرنَّ ناكرٌ أن كلَّ مناصب الدولة العُليا، وكما ذكر الرئيس المخلوع نفسه، في إحدى تسريبات العربية الآخيرة، كانت بأيدي تنظيم جماعة الكيزان، بتأهيلٍ، أو بغير تأهيل، وهذا أمرٌ لا ينتطح فيه عنزان، ولكنه لا ينفي أن ثمة من يكون بين هؤلاء من هم غير كيزان!!
• ثالثاً معلومٌ أنّ الزواج بمسؤولٍ كبير في دول العالم الثالث الفاسدة هذه، كالرئيس، أو نائبه، أو وزير خارجيته، أو داخليته ليس كالزواجٍ من أحدٍ آخر من غمار الناس..إذ معلومٌ أنه ومثلما ستتمتع الزوجة بالأضواء الباهرة، والألقاب الرفيعة وهي تحت كنفه وحمايته فعليها أن تتوقع ألقاباً أخرى -وإتهامات- وهو مخلوعٌ، أو مطارد، أو مسجون..ولقد حدث هذا لزوجاتِ (المخاليع) طوال التاريخ، من لدُن (ماري أنطوانيت) مع لويس السادس عشر العشر بفرنسا 1793م، مروراً بإيلينا شاوسيسكو مع شاوسيسكو رومانيا 1989م، وإيميلدا ماركوس مع ماركوس الفلبين 1986م..ولن ينتهي بالسيدة وداد بابكر، ولا بالسفيرة أميرة قُرناص..فهي سنةُ الحياة الراتبة، وقوانين الإله الحكيم السائرة الدائلة بين حكام العالم الظلمة المُفترين، (والدرب البتجي بيهو راكب لابد أن تجي بيهو ماشي)!!
وعليه، فربما أن تأهيل السيدة أميرة قُرناص العالي هذا نفسَه، وقبل إرتباطها بالسيد كرتي، هو مما يزيدُ موجَدَة الناس عليها (وزَعَلهم) منها، إذ لا يُتوقع أن يفوت على سيدةٍ فاضلةٍ، بهذا التعليم العالي، والتأهيل الكافي، والمعرفة والحصافة المتدفقة ألا تتوقع ما حدث، وهي تقبلُ أن تكون زوجةً -وهذا خيارُها كما قلنا- لرجلٍ لا يختلفُ إثنان على شُبهة ظلمِه، وفساده، وولوغه في دماء الناس، كونه أحد دهاقنة الإنقاذ (المسلَّطين) منذ أن كان منسقاً عاماً للدفاع الشعبي في كل الديارِ السودانية؟!!
• كيف فات عليها أن تتوقع مَقالةَ الناس فيها وفي تأهيلها حين رضيَت هذه السيدة (عالية التأهيل) أن تتمرَّغ في (أحد أوحل أوحال فساد) الإنقاذ المشبوهة، وهيَ بتمام معرفتِها ورجاحة عقلها وليست ممن يفعلون ثم يقولون إنهم لم يكونوا يعلمون ؟!
وأيُّ حظٍّ عاثرٍ هذا الذي قادها، وجعلها تقبلُ تمام القبول، ثم لا تتوقع ما حدث، حين رضيَت أن تكون له قرينةً تصنعُ له طعامَه، وترتبُ له ملابسه، وتقضي حوائجه، وتمتِّع ناظرَه، وربما تكون أماً لعِياله، ثم تودِّعه إلى (خشم الباب) كلَّ صباح وهو خارجٌ ليعيث إفساداً في الأرض، وسحقاً، وظلماً، وربما ولوغاً في دماء المسلمين كونه إنقاذيٌّ صميمٌ، لا يشقُّ له غبار ؟!!
• كيف يقبلُ العقلُ السليمُ من سيدةٍ بكل هذه المعارف، والتأهيل، والحصافة قبولَها -غير مضطرةٍ ولا محتاجة- أن تكون ضمن طاقم زوجات السيد كرتي -وهذا حاله- لولا أنها بالفعل تريدُ أن تستظل تحت ظلِّ جبروته، وتنعم في كنفِ مُلكه وأبَّهته، وتصعد على كتِفَي سطوته القويتين الجبارتين؟!
• بكل أسف والحال هكذا، فسوف لن يصدقها أحد، ولن يصدق كثيرون ما يقوله عنها أصدقاؤها وأصدقائي أنها إنما نالت ما نالت بعرقِها وجهدِها وكفاءتها، ولو أقسموا مائة يمين مغلَّظة، وهذا لا شك يعتبرُ من سوء حظ السيدة أميرة قُرناص، ويضاف إلى عثراتٍ أخريات غير موفقات !!
وطالما الشئُ بالشئ يذكر، فنحن نعرف، ويعرِف أصدقاؤنا وزملاؤنا أنَّ زميلةً فاضلةً أخرى، أبية النفس، عزيزة الهمة، وهي ليست على نفس (تأهيل) السيدة قُرناص الأكاديمي، لكنها رفضت أن تستمع (مجرد إستماع) إلى شقيق أحد نافذي الإنقاذ ليحدثها فقط بشأن رغبته في الزواج منها !! رفضت حتى مجرد الجلوس إليه تسامياً وترفعاً أن تجلس إلى شقيق إنقاذيٍّ مشبوه وقاتل، وليس إلى الإنقاذي نفسِه!!
• إنَّ ما كاد أن يقتنع به كافَّةُ أهلِ السودان إقتناعاً لا يقبلُ اللجلجة، والتأويل، والتخمين هو أن كلَّ كوز وكلَّ كوزة، وكلّ زوجِ كلِّ كوزة، وكل زوجة كلِّ كوز هم مشتركون تمام الإشتراك في (أذِيَّة) الشعب السوداني بصورةٍ من الصور، طوال حُكم الإنقاذ، مهما علا تأهيلهم وسما تعليمهم..وأنَّ أدنى هؤلاء مرتبةً في الدركِ الأسفلِ من لعنة الشعب هو من رأى، وسمِع، وعلِـمَ، وتيقَّن، ثم رضيَ بفساد الإنقاذ، وعاون عليه، وسكت !!
•••