إستبشرنا خيراً في بدايات بلْوَّرة الإتفاق الثنائي بين المكونَّين المدني والعسكري لتدشين الحكومة الإنتقالية ، حين أعلن تجمع المهنيين وبعضاً من أحزاب وتنظيمات قوى الحرية والتغيير (زُهدهم) في السلطة وأنهم سوف لن يشاركوا بأية حالٍ من الأحوال في الحكومة الإنتقالية كشخوص تتولى المناصب ، بل أوضح تجمع المهنيين عبر بيانات عديده الدور المنوط به إبان الحكم الإنتقالي والذي حدَّده في مراقبة سير أداء الحكومة التنفيذية وتصديهِ لكافة (تجاوزاتها) وإنحرافاتها عن مسار شعارات الثورة ومبادئها وبرامجها ، (سهواً) كان ذلك أم (قصداً).
بعد كل ما سبق من آمال راودتنا فيما نأملهُ من إزدهار في سوق النزاهة والتجرُّد و(قهر الذات الشخصية) لصالح الذات الجماعية والمصلحة العامة ، فُوجِئنا بالكثيرين من الذين تعهّدوا بذلك العهد في مقدمة المُتكالبين لتولي المناصب والحصول على موطيء قدم في (بورصة) مُحاصصات ثورة الشهداء والتضحيات وصناعة الحُلم المستحيل ، وحتى لا تنفطر قلوبنا نحن الذين راهنا على رجاحة كفة المسار الديموقراطي في السودان لإستحقاق هذا الشعب للكرامة والحرية والعدالة غير المشروطة ، قابلنا هذا (النكوص) المتكرِّر والمتواتر عن مبدأ عدم مشاركة منسوبي قوى الحرية والتغيير في السلطة الإنتقالية بالكثير من (التبريرات) التي يثبت الواقع المعاش كل يوم أنها كانت وما زالت مجرَّد (أوهام) تستولى على أمانينا في أن يخرج هذا الوطن من مستنقع (الإنتهازية).
من تلك المبرِّرات أن وجود (بعض) قادة الحِراك الثوري في (الواقع) التنفيذي في حد ذاته ضرورة يفرضها المنطق الذي يفترض أنهم الأكثر فهماً وإستيعاباً لبرنامج المرحلة الإنتقالية ، وأنهم يتفوَّقون عن غيرهم كونهم الأكثر حماساً و(تطَّلُعاً) لإجتثاث الدولة العميقة وتفكيكها وهدم بُنيان التمكين الإنقاذي الغاشم ، فآثرنا حينها الصمت لنرى أيي مُنقلبٍ سينقلبون ، إلى أن إتسعت الدوامة وعلَتْ موجة الصراع والتكالُب لتولي المناصب وتقاسم (الكيكة) التي حوَّلها فساد النظام البائد إلى (جيفة) ، فأيقنا أن أوان قول كلمة (لا) لأجل الوطن قد حان.
الآن وقد تولي أكثرهم المناصب في متون حكومتنا الإنتقالية إنهارت ثقتنا في مبرِّراتنا التي كنا ندرأُ بها وهماً جراحنا ، بأن ما أقدموا عليه كان تحت طائلة (التصدي) للمصلحة العامة ، فلا دولة التمكين أُزيلت كما يجب ، ولا معاش الناس سلم من إستمرار سوء التخطيط وضعف الإهتمام وتمييزهُ بالأولويه ، ولا ملامح بيروقراطية الدولة وهزالة مواقفها وغياب هيبتها قد تبدَّلت نحو الأفضل ، ولا ضبابية المواقف وإنعدام الشفافية وظلامية كواليس المطبخ السياسي والإقتصادي قد أُزيح عنها السِتار بما يضمن عُلواً لفضيلة النزاهة .. أخاف عليكم أن تحصدوا بإسم الحرية والعدالة والمساواة غضب الشعب من جديد.