قال تعالى: ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون (البقرة: 185).
عيد الفطر السعيد شكر لله، وحمد له على أن مكن العبد على أداء هذه العبادة الكريمة. صام أيام رمضان، وأقام لياليه. وتلك هي نعمة من الله، ونسأله القبول.
العيد أقبل مزهواً بطلعته
كأنه فارس في حلة رفلا
والمسلمون أشاعوا فيه فرحتهم
كما أشاعوا التحايا فيه والقبلا
فليهنأ الصائم المنهي عبادة
بمقدم العيد إن الصوم قد كملا
رغم الألم، والأسى، والمرارة، والجو السياسي المكفهر بصورة عامة، وفي العالم الإسلامي بشكل خاص، والوطن العربي بشكل أخص، الوطن الذي تمزق أشلاء، وشبع إنسانه موتاً، ودماراً، وتقتيلاً، وأُهرق دمه من المحيط إلى الخليج، وسلبت كرامته، وغرق في خضم البحار بحثاً عن العيش الكريم، والقنابل العنقودية تملأ سماواته، والأسلحة الكيمائية تلوح في أفقه، (نسأل الله أن ينزع فتيل الفتنة ، رغم كل تلك الجراحات إلا أننا بوصفنا مسلمين يجب علينا ان نستشعر شعيرة العيد، وفرحته، ونستقي الدروس منها، ونستعرض ما تعلمناه منها، كما يجب ألا يمر علينا حدث إلا ونخرج منه بتجربة ثرة، أو درس مستفاد.
فيا أحبتي القراء، أنتهز هذه السانحة الجميلة لأهنئكم بعيد الفطر المبارك، أعاده الله علينا جميعاً باليمن والبركات، وعلى وطننا الحبيب بالخير الرخاء والحرية .
أحبتي الرائعون.. علمني العيد أنه يختصر معاني وكلمات كثيرة، سأذكر منها :
سعيد، فها هو الطفل بقدومه سعيد.. جديد، فتلك الطفلة تختال بلبسها الجديد.. مديد ففي كل عام ندعو لأحبابنا بالعمر المديد.. وغيرها من المشاعر التي وحده من يستطيع اختزال معانيها؛ لأنه العيد.
علمني العيد.. أن أهمس في أذن كل من يستمع إلي الآن، وأقول ودع الماضي مستحضراً دروسه فقط، متناسياً آلامه، واستبشر بالمستقبل، كممر منير لك، متجاهلاً الخوف منه، واستمتع بكل لحظاته.
لما لا يا عزيزي؟ وأنت في العيد. كما علمني العيد أنه قادر على أن يقرب كل بعيد، وقادر على الصياغة من مشاعر الفرح أجمل نشيد يلتقي فيه الأحبة، والحبيب للحبيب بالدعاء يرفع أكفه.. وحتى إذا كانت هنالك قلوب لا تزال بها شوائب زعل، فالعيد أكبر حافز ليجعل صفاءها يكتمل! لأنه العيد.
هذا هو العيد فلتصف النفوس به
وبذلك الخير فيه الخير ما صنعا
أيامه موسم للبر تزرعه
وعند ربي يخبئ المرء ما زرعا
علمني العيد، حياتنا أرجوحة كبرى، كل ما فيها يتأرجح، مشاعرنا، أحلامنا، همومنا. علاقاتنا، لكل فترة يستقر في نهايتها، تماما كأرجوحة العيد.
كما تعلمت من العيد، جمال الشيء في قلته، وحدوثه بعد شغف انتظار، بقدر امتلاء القلوب بالنقاء والطهارة، ويكون حصاد الفرح والسعادة.
علمني العيد .. أنت كنت متفرداً بأخلاقك ومزاياك كنفحة بخور العيد، سيجتمع على حبك البشر.
علمني العيد .. هنالك أشخاص لا يمكن مقارنتهم بالآخرين، وأحداث لا يمكن تشبيهها بأخرى، ومشاعر لا يمكن تكرارها، وكل ذلك ينبغي معايشته وقتياً؛ لأنه إذا رحل، فلن يعود بالجمال نفسه.
كما تعلمت من العيد التخطيط للأحداث، فهو يجعلنا نستمتع بحدوثها، فلا تفوتنا شاردة في جمالها أو واردة.
كما تعلمت من العيد .. لتكون الأفضل والأجمل عليك انتقاء الأكثر تفرداً، ولتحقق ذاتاً لا تكرر، انتق نجاحات متفردة.
كما علمني العيد أيضا وما أحلى! وما أجمل! وما افيد وما أجدى أن نتعلم كل يوم درساً! فالحياة حبلى بالعظات، والعبر، والدروس.
علمني العيد .. قلوبنا كتلميذ صغير، يمكنه تعلم الفرح بسرعة. ولمعة العين أصدق من ألف عبارة.
كما تعلمت منه ألا أبخل في الجزاء، فمن يستحق سيعرف قيمة التقدير، ولنا في جزاء الله للصائمين عبرة. .
كما تعلمت منه.. نمطية بعض الأشياء تسعدنا بقيمتها أكثر من لو تغيرت، فتعتق المشاعر أعمق من تبدلها، فالمكابرة في المشاعر صفقة خاسرة، لنلتمس الأعذار، ونحرر الابتسامات من سجن العبوس، فلحظة واحدة بإمكانها تغيير مسار خاطئ منذ سنوات، بوجه بشوش وأيدٍ متشابكة تماماً كملا مح البشر يوم العيد.
تعلمت من العيد أحبتي القراء أن الحياة كتاب أوراقها ناصعة البياض، نحن نملك اختيار ألوانها، فلم لا ننتقي أزهى الألوان وأبهاها وأكثرها بعثاً للراحة، كانتقائنا لألوان ملابس العيد.
كما تعلمت أن الهديه نحات ماهر لخطوط الفرح وتفاصيله، فهي من تخلق حاجتنا إليها، كما قال المصطفى عليه الصلاة وأزكى التسليم: تهادوا تحابوا. فالعيد نفسه هديه العباد، وبخاصة لمن أرهقته هموم الحياة.
والعيد يوحي لي. قطار السعادة متسع للجميع: الصغير والكبير، ومن بينهما تماماً، كقطار العيد فلا تذم الحظ أنه لص سعادتك، لأنه وهم اخترعه من انتعل اليأس، واعتمر البؤس، وكل الأمور خير، ولا ندري بواطن الأمور، ولكن نؤمن تماماً أن الله لا يريد بعباده إلا كل خير .
وعيدكم مبارك، وكل عام وأنتم بخير وعافية.
مسقط- سلطنة عمان