نقر بشجاعة وزراء الحكومة الانتقالية وهم يتصدون لمهام الوزارات رغم علمهم المسبق بأن المسؤلية ستكون عسيرة وشبة مستحيلة ، معظمهم جاءوا من مناصب رفيعة في المؤسسات الدولية ، لم يأتوا طمعا في منصب ، ولا سعيا وراء مكسب ، بل إيمانا بالثورة ، وطمعا في خدمة البلاد ، وتحقيق أحلام وطموحات الثوار ، ورد دين الشهداء والجرحى .
الوزراء تكنوقراط ، حتى الذين لهم خلفية حزبية لم ترشحهم احزابهم ، وإنما جاءت بهم الكتل من منطلق الكفاءة والإيمان بانه الوزير المناسب في المكان المناسب ، لذلك من الإجحاف مهاجمة هذا الوزير او ذاك بدافع خلفيته السياسية .
جزء من الوزراء يعملون في ضغوط خفيفة لانهم يشغلون وزارات بعيدة عن هموم المواطن اليومية ، والجزء الآخر يتعرض يوميا للنقد والتشكيك لان وزارته متعلقة بالهموم اليومية ، وزير المالية ووزير التجارة والصناعة هما الأكثر تعرضا للضغوط .
وزير المالية من لحظة استلامه لموقعه ، استلمته زمرة من اقتصاديي الحرية والتغيير ، شككت في برنامجه وقدحت في صلاحيته ، وظلت هذه الزمرة تواصل حملة ضغط مستمرة بلا هوادة على الوزير منذ اعلان الحكومة حتى اليوم ، هذه الزمرة شريكة الوزير في التغيير وفي الحكومة وليست من الكيزان ولا المعارضين ، الطعن من الخلف الذي يتعرض له وزير المالية أكثره من اصدقاءه في الحرية والتغيير !! وهذه واحدة من ظواهر السياسة السودانية التقليدية المزمنة ، انتقلت عبر هذه الزمرة بحذافيرها من التاريخ السياسي الكسيح إلى الحاضر ، وهو سلوك خطير سيحول حكومة الثورة من حكومة إجماع وتعاون إلى حكومة صراع وخلاف .
تحميل وزير المالية عبء الانهيار الاقتصادي يبدو غير منطقي من واقع الحال ، الوزير جاء ببرنامج كامل متكامل عرض ملامحه قبل حتى أن يؤدي القسم ، وسوقه للعالم الخارجي في أكثر من منتدى وبرنامج تلفزيوني ، ووجد اشادات وتاكيدات دولية بدعمه ، وحين استلم الوزارة وبدأ في تطبيقه ، كبست هذه الزمرة على ( حلقه ) ويديه ومنعته من تطبيقه ، واساءت له ولكل الدول التي تريد ان تساهم مع الوطن في محنته الاقتصادية من منطلق الصداقة والشراكة الدولية ، فهل الوزير مخطيء ؟!!
تعطيل برنامج الوزير فخخ الوضع الاقتصادي وأرسل إشارات سالبة للعالم عن الإصلاح الاقتصادي الذي قد تتبناه الحكومة الانتقالية . من الأثار المباشرة التي ظهرت بعد تعطيل برنامج وزير المالية ، تأجيل مؤتمر المانحين وإيقاف إنسياب الدعم الخليجي المعلن . الدعم الخليجي المتوقف يفوق مليار ونصف دولار ، كانت كفيلة بأن يستمر الوضع مستقرا حتى يونيو على الأقل ، فأيهما المخطيء وزير المالية أم زمرة أقتصاديي الحرية والتغيير؟!!
المعركة ليست في شركة الفاخر ، ففي ظل العقوبات الأمريكية والاقتصاد الرأسمالي الذي يسود العالم ، لا بديل للحكومة عن الاستفادة من نشاط القطاع الخاص في تسويق المنتجات المحلية . انما المعركة الحقيقة تدور حول المؤتمر الاقتصادي القادم ، والصيغة التي ستخرج عنه من إصلاحات إقتصادية ، هل ستكون إصلاحات حقيقة تشبه الثورة وتتماهى مع قيم الاقتصاد العالمية الحديثة ، أم ستكون ذات الصيغة الاقتصادية القديمة التي تريد زمرة الحرية والتغيير سجن السودان فيها من جديد .
المعركة الراهنة ضد وزير المالية تريد أن تجرده من سلاح الأمانة ، وتصوره كفاسد ، باستخدام بعض الاقلام الصحفية التي صنعت إسمها وإمبراطورياتها الصحفية في ظل نظام الانقاذ . هدف هذه المعركة غير المعلن هو إقالة وزير المالية او إجباره على الاستقالة قبل اوان المؤتمر الاقتصادي ، وبالعدم الضغط عليه ليتنازل امام المؤتمر الاقتصادي عن برنامجه الذي يمثل برنامج الثورة وبرنامج الأجيال الجديدة .
sondy25@gmail.com