من إشراقات مثول الواقع الديموقراطي في حياتنا (على الأقل في مستواه الشكلي) أنه أصبح بالإمكان معارضة وإنتقاد مراكز النفوذ بلا محاذير ولاسقوف مُحدَّدة سوى ما أوردتهُ مواد الدستور والقانون ، فحرية التعبير عن الرأي وإمكانية إشارة الإعلام وكافة القطاعات الشعبية والأفراد إلى ما يمكن وصفهُ بشبهة فساد أو تجاوز للَّوائح والإجرءات أو إستغلال للنفوذ ، هي في الحقيقة واحدة من أدوات (التنمية) وإتجاه من إتجاهات التغيير وتأكيد حالة التقدُّم في الإتجاهات الصحيحة على مِضمار (إنقاذ ما يمكن إنقاذه) ، هذا طبعاً بالإضافة إلى سريان وإعتماد فضيلة رد الفعل الإيجابي تجاه دعم المصلحة العامة وفضح الفساد بكافة أشكاله ، بعد أن كادت (السلبية) واللامبالاة بسبب الخوف من الوقوع في المشكلات والتعقيدات الإجرائية ( للتبليغ والتصدي) أن تقضي على وجود هذه الفضيلة السامية في الشارع السوداني.
لكن تلك الإشراقات التي إنتابت حالة (تأييد)
المصلحة العامة في كثيرٍ من القطاعات وفي مُقدمتها قطاعي المخابز ومحطات الوقود
لما إعتراهما من مشكلات أثَّرت على حياة المواطن وحاجياته الضرورية ، والتي تولىَّ
أمر متابعتها ومراقبتها والتبليغ عن قضاياها شباب لجان المقاومة في الأحياء
المختلفة ، تظل بلا شك في حاجة مُلِّحة إلى دعم الخبراء وأصحاب التجارب العملية في
مثل هذه المهام ، وذلك حتى ننأى بأعمالها من ظُلم الكثير من الأبرياء والوقوع في
مغبة التأويلات المستعجلة التي لا تفيد شيئاً في أحيان كثيرة غير مضاعفة الصعوبات
وبذل الطاقات والجهود في ما لا يستحق ولا يُثمر.
الكثير من البلاغات اليومية التي يُقدَّر
عددها بالمئات حسب إحصاءات المراكز الشُرطية ، وبعد التحري والتقصي في حيثياتها ، كانت
نتيجتها في الغالب عدم التقدير الجيِّد والإحترافي لما إنبنَّت عليه القرائن والشُبهات
التي أوردتها لجان المقاومة في محاضرها كجهة رقابية ، مما أدى إلى وقوع الكثيرين
من منسوبيها في مخالفات قانونية شتىَّ كان أهمها البلاغ الكاذب وأحياناً فتح
بلاغات مُضادة من ضمنها إشانة السمعة والتعرُّض للإهانة الشخصية للكثير من أصحاب
المخابز وموظفي محطات الوقود وذلك بسبب عدم إكتمال الدلائل والبراهين التي تثبت
تورُّطهم في المخالفات المُبلَّغ عنها.
لكل ذلك نقترح أن تعمل الدوائر الرقابية
للجان المقاومة بالأحياء تحت إشراف قانوني مباشر للشرطة أو سلطات النيابة العامة
وفي ذلك تدريب وتأهيل وتثقيف قانوني سيفيد هؤلاء الشباب في المستقبل ، كما أنه من
جهةٍ أخرى (كابح) فعَّال لإنفراط التسرُّع وإتساع دائرة الحماس الغير منضبط ،
فضلاً عن كونهُ (ضامِن) لعدم ظلم الأبرياء ووقوعهم ضحايا لبمبدأ إحقاق الحق وإبطال
الباطل ونُصرة المصلحة العامة.