لمصلحة من تعمل الآلة الاعلامية في السودان؟
ولمصلحة من يتم تغييب وعي الشباب؟
نصحو دوماً على صراعٍ جديدٍ يشغل الإعلام والوسائط الإجتماعية ويؤجج حدة الخلافات ويشغل الناس أياماً ثم ما يلبث أن يخبو حتى يتصدر المشهد صراعاً جديداً يلهي الناس لفترة أخرى.
تغييب المعلومة في مجتمع تعوَّد على أن يتعاطى الخبر نقلاً وليس تقصيِّاً حتىٰ صار المثل في مجابهة الشائعات “ده كلام جرايد”، فهل أصبح الإعلام ووسائط التواصل الإجتماعية كلام جرائد أم صارتا وسيلتان لإشغال الناس وإلهائهم عن قضايا أخطر لا تبدو لهم واضحة في ظل تلك الجلبة والضوضاء التي يصدرها كل موضوع جديد في الساحة.
ويحق لنا أن نتساءل، لمصلحة من تعمل الآلة الإعلامية الرسمية في السودان؟
وأين دور أعلامنا الاستقصائي من معرفة الحقيقة؟
وهل صار الإعلام “أكل عيش” تماماً كما هو حال العمل السياسي؟
غياب المؤسسات البحثية والعلمية فتحت الباب مشرعاً للإشاعات وسهّلت للمغرضين وللذين يحاولون استغلال الإعلام لتوجيه الرأي العام نحو غاياتهم حتى غُيِّبت حقائق بسيطة عن المواطن، لقد أوكل المواطن كل حواسه للمؤسسات الرسمية ولأحزابه السياسية يتلقى منها المعلومة ويوليها ثقة ليست في مكانها لأن السياسي السوداني مثل الطبيب الذي يرى أنه لا جدوى من مصارحة المريض بمرضه فيزرع في قلبه الأمل الكاذب، وهكذا ظلَّ السياسيون يتجنبون الشفافية ليس رحمة بنا بل تعالي وغطرسة في بعض الأحيان ظناً منهم بأنهم الأقدر على معالجة الأمور دون شغل العامة بها، وفي كثير من الأحيان يحجبون الحقائق لحماية مصالحهم الخاصة.
وتبقي العلة فينا أن ظللنا نتلقى المعلومة الخاطئة من أولئك الذين خدعونا سنيناً وتكرر مشهد انخداعنا لهم مراراً وكأننا سئمنا الحقيقة أو إنتابنا الخوف من معرفتها، نعاتب أنفسنا كلما ظهر خلاف ما وتداولناه في مجالسنا وصفحاتنا الإلكترونية ومقالاتنا الصحفية، ثم نخضع مرة أخرى لما يملونه علينا.
الوعي الذي أنتجته ثورة ديسمبر أخاف الكثيرين من أولئك الذين أدمنوا الخداع وتزييف الواقع، وللأسف فإن هذا الوعي أوجدته طبقة شبابية متعلمة ومتحفزة للتغيير، ولكن تم استبعادها عمداً عن المشهد السياسي وإشغالها بمعارك طواحين الهواء في وسائط التواصل الإجتماعية أو صرف جل نشاطها في مناطق جغرافية محدودة في مطاردة أشباح الدولة العميقة. هي معارك صُمِّمت خصيصاً لأولئك الشباب حتى يدوروا في فلكها وتحجب عنهم الرؤيا ويتحجم نشاطهم وتطلعاتهم للإنتصار في معارك بسيطة ويتركون الجمل بما حمل للقيادات التاريخية أو العسكرية أو الديكتاتورية المدنية بمسميات مختلفة وإن بدت ثورية أو كفاحية ولكنها لا تختلف بتاتاً عن من ثار الشباب عليهم، وتحاول تلك القيادات رسم واقع متوافق مع مصالحهم وطموحاتهم في تأمين المكاسب التي تحصلوا عليها في زمن الغفلة.
ثورة ديسمبر المجيدة منحتنا الوعي والوطنية التي كادت أن تفلت من بين أيدينا، وعلمتنا أننا قادرون بإذن اللّٰه على تحقيق أحلامنا المشروعة، فإن توقفت عجلة الثورة عن الدوران الآن في اتجاه تحقيق شعارات الثورة فهي قطعاً لم تتراجع للوراء وحتماً سينتبه شباب الثورة الى كل حيل وألاعيب النخبة السياسية المتخمة بشعار “السياسة لعبة قذرة”، فهذا الجيل لا يعترف بأن السياسة “لعبة” ناهيك عن وصفها بالقذارة.