تتالت المذكرات الامنية الى مكتب رئيس الجمهورية اعوام ٨٠-١٩٨٥ حول ما يخطط له جماعة الاخوان المسلمون المتصالحة ١٩٧٧ من تدابير لتقويض النظام الجمهوري، و️لم تتوقف مثل هذه التقارير اصلا حتى بعد اعلان قوانين سبتمبر في العام ١٩٨٣.
ظل الرئيس ينظر لهذه التقارير على انها تقديرات ضباط امن محترفين ليس بالضرورة أن يكونوا خبراء بمحاسن الظن وطيبات السرائر التي كان يبديها ثعالب الجماعة مع دولته، فلقد كان حسن الترابي معه وزيرا ثم مستشارا ثم مساعدا له في الرئاسة وكان نجم “الاخوان” احمد عبد الرحمن وزيرا للداخلية وكلاهما يبذل للرجل مودة واحتراما ومصادقة تتضاءل أمامها أي تقديرات أمنية تمسهما بالتآمر.
ظل نميري يكاشف وزيريه (الكوزين) متسائلا عما تقوله عنهما التقارير ويواجههما بما يَرِد فيها ضدهم وكانا يسخران من تقارير الامن ويداخلاه بكلام فحواه (معقولة يا جعفر؟) *
زاد الامر عن حده وتكثفت التقارير على مكتب رئيس الجمهورية حول مايكيده الكيزان ضد النظام ومخططاتهم تجاه السلطة.
في مثل هذا اليوم (١١ مارس) من العام ١٩٨٥ صدق الرئيس نميري على اعتقال قيادات الإخوان المسلمين وعزلهم من مناصبهم للتحقيق معهم حول ما جاء بالتقارير وشمل ذلك مساعده للعلاقات الخارجية وزعيم الجماعة حسن الترابي.
مع الترابي اعتقل قرابة الخمسين من قيادات الاتجاه الإسلامي وتم توزيعهم على سجون كوبر، شالا، بورسودان، نيالا.
في يوم ٢٦ مارس غادر نميري السودان في زيارة رسمية لأمريكا وترك وراءه جماعة “اخوان الشياطين” -كما كان يدعوهم- رهن الاعتقال في السجون.
في عصر يوم ٥ ابريل غادر الرئيس نميري مطار واشنطن متجها إلى الخرطوم وحين توقفت طائرته في مطار القاهرة صباح ٦ ابريل سمع بخبر الانقلاب من مضيفه الرئيس المصري حسني مبارك وهما بعد اسفل سلم الطائرة.
سأل الرئيس نميري الرئيس مبارك عمّن قام بذلك فرد عليه “الجيش بقيادة شخص اسمه سوار الذهب”، فقال له نميري “دا وزير الدفاع بتاعي، لكن ما مشكلة نصل ونشوف ..” الخ الخ مما دار **
أبلغ انقلابيو ٦ ابريل حكومة مصر عبر سفيرها في الخرطوم بألا يسمح للرئيس نميري باستئناف رحلته والعودة للخرطوم (حفاظا على سلامته) واغلقوا تبعا لذلك كل أجواء الدولة أمام الطيران.
تسلم المجلس العسكري سلطته وقام فورا بالإفراج عن حسن الترابي والذين معه من قيادات (الكيزان) وزج مكانهم بالسجون كل قادة وضباط جهاز أمن دولة ٢٥ مايو الذين كانوا يُمحّصون نواياهم تمحيصا.
بقي نميري في مصر وعاد الإسلاميون الى سيرتهم والى فضاءهم وحريتهم بلا مساءلة، ونسى الناس امرهم، فنظام نميري ومضى.
رأس الفريق عبد الرحمن سوار الدهب المجلس العسكري ونابه فيه عن رئاسته الفريق تاج الدين فضل (ذاب ذكره بعد عام كما يذوب الملح)، ورأس مجلس الوزراء الطبيب الجزولي دفع الله وناب عن رئاسته فيه مستوزره الطبيب حسين ابو صالح. فلينظر التاريخ إلى كواليس هؤلاء الأربعة ثم نبدأ البرنامج.
والان نتساءل: أو بعد هذا يجوز القو بأن الرئيس نميري كان هو المسؤول عن الإتيان (بالكيزان) إلى الحكم وما فعلوه فيه؟
القضاة يسألون عن الوقائع والتفاصيل قبل أن يصدروا أحكامهم.
———€————-
- من حلقات الترابي مع قناة الجزيرة. أيضا احمد عبد الرحمن مع النيل الازرق.
** إفادة حرسه الخاص نقيب محمد سليمان، قناة امدرمان