إذا أثبتت التحقيقات براءة العقيد خالد ، لا أمانع الإدانة والمحاسبة !
aamin@journalist.com
توصلت بإفادة رسمية فحواها أن وزارة الداخلية قبلت بلاغي العلني ضد تجاوزات عقيد الشرطة / خالد حسب الله مسؤول الجوازات بسفارتنا في بكين. وعلمت أيضا أن أمرا قد صدر للجهات المختصة بإستدعاء الضابط المذكور للمثول امام تلك لجنة تحقيق.
بدءا ، أحيي سعادة وزير الداخلية علي إستجابته السريعة وتفاعله مع قضية ذات حيثيات صادمة تجاوزتني ، وإن كنت من كشفت تفاصيلها ، وغدت قضية رأي عام بعنوان أعرض هو السلوك غير المهني للعقيد خالد وتفرغه للنيل من الثورة ورموزها . كان طبيعيا ان تكون ردة الفعل بذلك الغضب المجلجل وتضج بها المنتديات الافتراضية والأرضية فقد أعيا الملثمون وشبيحة الظلام شعبنا بتشككيهم في مقاصد ثورته ودأبهم علي نصب العوارض التي تجاوزت الجهر بالمعارضة الي بث الإشاعات والذعر والتضييق علي معيشتنا وقوت عيالنا .
الآن وقد إنتقل ذلك التقرير الاستقصائي من كونه مادة صحفية الي موضوع قضائي، فإن أسس العدالة التي ننشدها جميعا تحتم عليّ تذكير الجميع بما يلي :
أولا :
السيد عقيد الشرطة خالد حسب الله برئ حتي تثبت إدانته . فحتي صدوربيان بنتائج لجنة التحقيق سيظل السيد العقيد مُدعيا عليه ومتمتعا بكافة حقوقه الدستورية والقانونية كمواطن سوداني . ولأنني لم ارتبط بمعرفة سابقة به ، ولا وجود لأي خلاف مباشر أو غير مباشر بيننا ذي صلة بمنافع او خصومة شخصية ، فإن شكواي كانت إعتراضا علي سلوكه الرسمي كشخصية عامة . إستتباعا ، يصح القول أن خصومتي مع العقيد أساسها موقف كلينا من ثورة سلمية بديعة أفاخر بها أيما فخر بينما سعي هو للنيل منها ومن رموزها ونسي بزته العسكرية وقسمه الذي يزدان به قانون الشرطة لعام 2008. مخالفته لنصوص ذلك القانون هو ما نتحاجج بشأنه .
ففي الفصل الرابع وتحت فقرة “التزامات الشرطي ” يفصِّل البند 14 الفقرة 3 نقطه هامة . فتلك الفقرة تحظر علي رجل الشرطة خلع الكاكي من سلوكه حتي وان لبس العراقي( وشنّق الطاقية) وجلس امام بيته يتسلي مع الجيران ويرد تحيات السابلة فتقرر بنص قاطع أن رجل الشرطة يظل رجل شرطة حتي في منامه ، فتقول ديباجة الفقرة
( يعتبر كل شرطى فى الخدمة على مدى الأربعة وعشرين ساعة الخ ) . في حالة سيادة العقيد خالد لابد وأن ينهض السؤال شاخصا : كيف يمكن ان يكون هذا الشرطي “الديدبان” الذي يلاحق اللصوص والنشالين ، حتي في منامه ، مسؤولا عن منح وتجديد جوازات جمهورية السودن ، وتناط به مهمة منح التأشيرات وفحص سجلات القادمين لبلادنا بمن فيهم الدواعش والإرهابيين الجهاديين ، بينما ذات الرجل يرتدي بدلة الإخفاء فيعمل كوزا جيمس بونديا بنظام البارت تايم ، فيحقد ويشمت علي إفلات رئيس وزراء الجمهورية التي يمثلها من الموت جراء عمل ارهابي، فيؤلف وينشر الأكاذيب الممعنة في التريقة والاستفزاز !
عندما تبدأ جلسات التحقيق خلال الاسبوع القادم سينهض مدعي الاتهام شامخا ليمثل دعواي . لن يكون محاميا أو آدميا حتي وإنما نصا مقدسا يخصص له قانون الشرطه لعام 2008 البند 73 من الفصل السادس ، إنه يمين الولاء الذي يؤديه كل ضباط الشرطة لحظة تخرجهم : ( أقسم بالله العظيم أن أنذر حياتى لله ول ولخدمة الوطن والشعب وحماية الدستور بكل صدق وأمانة وأن أكرس كل وقتى وطاقتى طوال مدة خدمتى لتنفيذ الواجبات الملقاة على عاتقى بموجب قانون الشرطة أو أى قانون آخر سارى المفعول أو أى لوائح وأن أنفذ أى أمر مشروع يصدر الىَّ من رئيسى الأعلى وأن أبذل قصارى جهدى لتنفيذه حتى لو أدى ذلك الى المجازفة بحياتى ).
لذا يلزمني التأكيد ، مرة أخري ، للمرجفين وغيرهم بأنني لا اعرف سيادة العقيد وأن إختصامنا أساسه شأن عام ولذلك فان حرصي علي صيانة حقوقه العدلية يفوق حرصي علي تجريمه . ولاتراني بحاجة لتذكير سعادة الوزير ، وهو إبن ذات المؤسسة الشرطية، بأن إقامة العدل ورفع الظلم غاية إستشهد قي سبيلها خيرة شباب هذا الوطن حتي أصبحت العدالة الضلع الثالث في مثلث شعارات ثورتنا المجيدة .
ثانيا :
إن قبول وزارة الداخلية فتح تحقيق ضد أحد منسوبيها من الرتب العليا ، يستحق المدح والتقريظ وينبئ عن حرص قيادة الوزارة الإحتكام لمبادي العدالة ، بيانا وبالعمل، وتفعيل القوانين والوقوف مع هذا الشعب العظيم في خندق العدل ورفع المظالم .
ثالثا :
أثبتت وزارة الداخلية أنها مع إستعادة الصحافة السودانية لدورها الرقابي الذي إنحسر وتلاشي في العهد البائد . فالصحافة التي سادت خلال العقود الثلاثة الماضية ، إستعمر ضميرها أمباشية الأمن وعبثت أصابع السلطان وبطانته بكل بوصة من جسدها ففارقها الشرف والعفاف الي الأبد . كانت صحافة مشبوهة ، زورت إرادة شعبها ومارس نقابيوها القوداة المهنية علنا ، فصفقوا لفسو الرئيس وأقسموا علي طُهر بدنه حتي وهو في مراحيض فساده . علي زمانهم البئيس رقصت المهنة عشرة بلدي في منابت السوء وإنهالت عليها العطايا “رئصني ياقدع وأسندني لما أقع” فأي خير يرتجي منها ؟ أيضا ، في زمان الغيبوبة الصحفية ظن الحواة أن محفوظات توجيهات الجهاز ” والتعليمات” هي قسم الشرف للمهنة ، فأصبح مقبولا أن يصطف المحررون في إنتظار ” المظاريف ” ويتدافع الكُتّاب لقبض أثمان أعمدتهم كإعلانات من الوزارات وحرص الصحافيون الامنيون علي شتل الخوف في صالات التحرير بلا خجل أو مواربة! كانت صحافة كرنتينة تعج بفيروسات قاتلة سممت المجتمع وسوست مناعته بضخ النفايات الخبرية في شرايين دماغه .
رابعا:
سوف يَمْثُل العقيد شرطة خالد امام لجنة تحقيق واحدة ، أما أنا فسوف أقف داخل القفص امام عدد لا يحصي من المحاكم المفتوحة للنظر في مصداقيتي كمحقق إستقصائي وللبت في آهليتي للعمل كصحافي ! حقيقة ، سأغمط العقيد خالد علي ماهو فيه من عدالة : فلجنة التحقيق محدودة العضوية ، تجلس هيئتها أمامه تناقشه في الحيثيات ويرد عليها ، تسأله وتنتظره ليجيبها . وبنهاية التحقيقات سينتصب أمامها ويؤدي التحية وينصرف في انتظار النتيجة .
أما أنا فأمري يحزن له حتي اليتيم !
لن ينعقد لي مجلس تحقيق واحد بل محاكمات إستلثية ، بلا عدد ، ولا تري بالعين المجردة . مجلس تحقيق العقيد مكانه الخرطوم ويمكن إستئناف خلاصاته ، أما محاكماتي فتنعقد في أركان الارض الاربعة ، بعضوية مفتوحة للقضاة وسيفتئ في أمري كل من يحضر جلسة يتسامر فيها الجلساء العاكفين علي إستعراض أخبار الواتساب ، ومااكثر هؤلاء !
لابد وأن أقر بأنني ورغم كل ما قلت فإنني جد راض وقانع ، بل ومرحب ، بهذا الفرع من التخصص. فالصحافة الاستقصائية ذات طبيعة تجريمية محضة . فهي تغوص في الحيثيات وترص الادلة ومن ثم توجه تهما محددة ، وبالتالي تستحق أن تؤخذ أخذا وبيلا إن أخطأت . وعليه ، إذا أثبت المحققون ظلمي للعقيد خالد وتقوّلي عليه بما ليس فيه ، فإن إدانتي واجبة وعقابي مستحق . فلاحصانة لقلم تجرد من. الأمانة المهنية
أقرأ تكملة المقال أدناه