كنت قد كتبت في هذه الصحيفة عقب قرار رئيس الوزراء عبدالله حمدوك إقالة الأمين العام لجهاز تنظيم شؤون السودانيين العاملين بالخارج (المغتربين) بأنه ليس من المهم في هذه المرحلة المفصلية من هو خليفة الأمين العام المقال بقدر ما الصلاحيات الجديدة التي تساعد صاحب المنصب الجديد على النجاح في مهمته.
وبما أنني قد باركت شخصياً في موقع إلكتروني آخر واسع الانتشار قدوم الأستاذ مكين حامد تيراب لقيادة السفينة في خضم أمواج متلاطمة تارة ومياه جليدية تارة أخرى، فإني أود أن أعرب اليوم عن مباركة ودعم مجلس إدارة مدرسة أمل السودان الرياضية الثقافية الاجتماعية بالرياض، المملكة العربية السعودية، لواحد من كبار قادة العمل العام بالعاصمة السعودية المشهود له بالنضال ضد نظام الإنقاذ الإسلاموي الفاسد.
ونود هنا أن نتجاوز التبريكات والتهاني لنلج إلى لب موضوع الساعة وهو دون مقدمات طللية: ما الصعوبة التي لم يتجاوزها سلف الأمين العام الجديد فدمغهم المغتربون قاطبة بالفشل غير ناكرين بعض الإنجازات المساعدة، مثل: إيجاد نافذة واحدة مركزية أو ولائية لإتمام إجراءات “المخارجة” من الحدود.
وبالطبع لا يستقبم عقلاً أن نصف كافة الأمناء السابقين بأنهم تقاعسوا عمداً أو جهلاً عن الدفاع عن مصالح المغتربين الحيوية متمثلة في الضرائب والأراضي والجمارك والرسوم والتعليم والأعمال وغيرها وآثروا عليها مصالح الدولة بالكامل عندما تصطدم المصلحتان في ميادين الجباية، وفرص العودة الطوعية، وممارسة حقوق المواطنة المتساوية.
ولكننا نستطيع أن نأخذ عليهم بشدة أنهم وافقوا على سلبيات مسمى وصلاحيات وظيفة الأمين العام لإدارة شؤون واحدة من أكبر الشرائح تأثيراً كماً ونوعاً في حركة المجتمع السوداني خلال العقود الخمسة الأخيرة، وهو ما نريد للأمين العام الجديد تداركه.
وطالما أن الأمين العام الجديد لا يملك صلاحية إصدار قرار بشأن قضايا المغتربين الحيوية التي قصدت الأنظمة البائدة إبقاء مصيرها في أيدي الوزراء المختصين الآخرين، وإجباره على أن يركض وراءهم مستجدياً إياهم بشأن قضايا من صميم صلاحياته، فستكون موافقته على قبول المنصب دون تلك الصلاحيات موافقة على الدخول في مأزق سابقيه.
ولكي يبدأ الأستاذ تيراب مسيرة تصحيح الخطأ التراكمي الذي تبادل أوزاره الأمناء السابقون، يتعين علينا مساعدته وبالتالي مساعدة أنفسنا بانتهاز فسحة الحرية التي أخذها عنوة شعبنا العظيم من براثن نظام المؤتمرين الوطني والشعبي ونطالب، حماية لمصالحنا كمغتربين، بأن تتم ترقية من يتولى أمرنا من أمين عام الى وزير كامل الدسم؛ حتى يستطيع معالي وزير شؤون المغتربين طرح قضايانا وحقوقنا المشروعة، واستصدار قرارارتها من مجلس الوزراء مباشرة، وهذا ما يعني خصم صلاحيات عدد من الوزراء المعنيين الذين كانوا يمارسون سياسة إبقائنا في الخارج أطول فترة ممكنة وبقرة حلوبا لا يجف ضرعها وحرماننا من كثير من المزايا التي افتقدناها وافتقدها الوطن خلال سنوات ممارسة الظلم الممنهج الذي لم ينج منه سوى تجار السلطة والدين.
وغني عن القول إن وزير المغتربين يستحق المنصب لكونه يمثل الشريحة التي لولاها لشهد المجتمع السوداني انهياراً أخلاقياً لا يمكن علاجه والتي لو أحسنت الأنظمة المتعاقبة التعامل معها لما لجأت إلى تحويل نحو أربعة مليار دولار سنويا تقريباً عبر السوق الموازي، ولما اغترب معظمها لعدة عقود خارج الوطن، وحرم أبناؤها وبناتها من فائدة ومتعة التعاطي مباشرة مع الثقافة السودانية، و”مجتمع القيادة التاريخي”، بل ولتم تبادل سلس للاغتراب بما يثري حركة الداخل ولساهم أكثر في وقت مبكر في خلخلة نظام التمكين الذي أودى الى إفلاس الدولة.
وأخيرا أفلا يستحق شعبنا وأبناؤه وبناته في المهاجر أن ينعموا بالعوائد المتبادلة لعودة العقول والخبرات المهولة من الخارج؟ أفلا يستحق المغتربون أن تقام لهم الشواهق في نادي سباق الخيل ومطار الخرطوم الحالي (بعد الرحيل)، والمدرعات (التي اكتمل تدميرها) ؟ أفلا يستحق المغترب إعفاء جمركيا لسيارته ولوازم بيته – إن كان له بيت – ؟ وأفلا يستحق ابنه وبنته دخول جامعة الخرطوم باللي هي أعلى؟ أويمكن أن يتحقق هذا لولا أن يكون ولي أمره المباشر وزيرا لشؤون المغتربين أو على أقل تقدير وزير دولة بوزارة الخارجية والمغتربين كما الحال في كثير من الدول المصدرة للعمالة؟