تقرير: إسماعيل محمد علي
لم يأبه كثيرون من السودانيين بالأخطار التي قد تنجم عن الإصابة بوباء “كورونا” الذي اجتاح معظم دول العالم بسرعة متناهية وغير مسبوقة في التاريخ الحديث. وعلى الرغم من التحذيرات التي وجّهتها الحكومة السودانية إلى مواطنيها بتوخي الحذر في التعامل مع الوباء، واتّباع الارشادات الصحية لحماية أنفسهم وأسرهم من هذا المرض القاتل، إلاّ أنهم ما زالوا يمارسون عاداتهم الاجتماعية بشكل يومي ولا سيما في مناسبات الأفراح والأتراح بالكثافة العددية، ويقوى مفهوم التآلف والتعاضد ومنهج التكافل بشقَّيْه المعنوي والمادي وسط المجتمع السوداني في هاتين التظاهرتين أكثر من أي خطر قد يحدق بالمجتمع أيّاً كان نوعه.
ووفقاً لعدد من العاملين في قاعات الأفراح تحدثت معهم “اندبندنت عربية”، فإنّ حجوزات مناسبات الأعراس لم يحدث فيها تغيير حتى الآن، فجميعها قائم في مواعيده وبالعدد المطلوب، لافتين إلى أنّهم سيراقبون الوضع الصحي في البلاد عن كثب، فضلاً عن الالتزام بالإرشادات الوقائية المطلوبة، وعلى ضوء ذلك سيقرّرون الاستمرار في إقامة المناسبات من عدمه، لكنهم لا يمانعون من قبول تغيير الحجوزات أو الاعتذار عن إقامة أي مناسبة بسبب المحاذير من هذا الفيروس. وتنتشر سرادقات الأتراح (العزاء) في جميع أحياء العاصمة الخرطوم وهو أمر يصعب التخلي عنه تحت أي ظرف طارئ نظراً إلى تركيبة المجتمع، ويُنصب سرادق العزاء في السودان بين يوم إلى ثلاثة أيام في الوقت الذي يحرص قسم كبير من المعزين على الحضور أكثر من مرة خلال هذه المدة.
في المقابل، تسير مجريات الحياة اليومية بشكل طبيعي في الشارع السوداني والأسواق وتجمعات الخدمات المختلفة من دون تأثير يُذكر. وبحسب مواطنين سودانيين، فإنّ عدم انتشار الفيروس في السودان جعلهم غير آبهين بالتعليمات والمحاذير التي أطلقتها السلطات الرسمية، مشيرين إلى أنّهم يراقبون الوضع بشأن مدى انتشار هذا الوباء من عدمه، وفي حينها سيلتزمون التعليمات المطلوبة.
مراكز عزل وإيواء
يأتي ذلك في وقت اتخذت الحكومة السودانية مجموعة من القرارات الهادفة إلى منع انتشار فيروس “كورونا” المستجد، بعد تأكيد وزارة الصحة أول حالة وفاة بالفيروس لأول مصاب، وهو رجل تُوفّي في 12 مارس (آذار) كان قد زار دولة الإمارات في الأسبوع الأول من الشهر الحالي.
وأعلن مجلس الوزراء في السودان خلال اجتماع طارئ برئاسة عبد الله حمدوك اتخاذ 11 قراراً تتعلّق بتطورات وتداعيات “كورونا”، تشمل توجيه الجهات الأمنية بدعم وزارة الصحة لتنفيذ إجراءات الحجر الصحي في مراكز العزل والإيواء وفحص المخالطين الرافضين الخضوع للإجراءات الحجرية، والاستفادة من المستشفيات العسكرية كمراكز للإيواء ولتقديم الخدمات العلاجية، وإغلاق روضات الأطفال والمدارس السودانية والأجنبية والمعاهد الدينية في جميع المراحل لمدة شهر، ووقف المهرجانات والمعسكرات وفصول التقوية، وتأجيل امتحانات شهادة الأساس في الولايات التي لم تجرِ فيها لموعد يُحدّد لاحقاً، وسيكون امتحان الشهادة السودانية في موعده ما لم يصدر قرار آخر، وإغلاق جميع الجامعات والكليات والمعاهد العليا ومؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة والأجنبية لمدة شهر، واتخاذ إجراءات وضوابط صحية إضافية في السجون ومراكز الإصلاح، وعلى الوزارات والوحدات الحكومية والخاصة اتخاذ التدابير الكفيلة بتقليص الازدحام في مواقع العمل، ومنع التجمعات العامة في الأفراح والأتراح والمناسبات العامة، وتشديد الرقابة على الأسواق العامة وضبط أسعار المواد التموينية والمستلزمات الطبية وغير الطبية، وإجلاء المواطنين السودانيين العالقين عند المعابر مع جمهورية مصر العربية عبر معبر أرقين وإنشاء معسكر إيواء مؤقت وإجراء الفحص الطبي بواسطة فريق طبي متكامل.
خطة الاستعداد
ودعا حمدوك في تغريدة على حسابه الرسمي في “تويتر” إلى توخي الحذر في التعامل مع وباء “كورونا”، “لأنّ هذا الوباء ينتشر بسرعة. نحض جميع المواطنين على اتّباع الإرشادات الصحية التي أعلنتها وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية لحماية أنفسهم وأسرهم”. وأشار إلى أعمال بسيطة مثل غسل اليدين وتجنّب الأماكن المزدحمة، مضيفاً “وأؤكد لكم أن كلّ الجهات المعنية جاهزة لتنفيذ خطة الاستعداد والاستجابة الشاملة للتصدي لوباء كورونا”.
تقصير الصلوات
في السياق ذاته، أصدر وزير الشؤون الدينية والأوقاف السوداني نصر الدين مفرح، توجيهات لكل الكيانات الدينية الإسلامية والمسيحية لتفادي انتشار فيروس “كورونا”، تشمل تقصير الوقت بين الآذان والإقامة، إلى جانب التقصير في الصلوات والاكتفاء بآيات قصيرة، إضافةً إلى الإيجاز في الخطبة تفادياً للازدحام والاختلاط. كما طلب المباعدة بين الصفوف في الصلوات، إذ تكون المسافة متراً ونصف المتر، على اعتبار أنّ الفيروس يدخل بمسافة متر.
ووجه أيضاً بالتقليل من الاجتماعات وإقامة تجمعات الذكر لدى الصوفية “الحوليات”، خصوصاً “الرجبية”، داعياً العلماء والمشايخ إلى إيقاف حلقات العلم والندوات والمحاضرات وحلقات تحفيظ القرآن الكريم، حتى ينجلي الأمر والوباء. وكذلك طلب مفرح الاكتفاء بالدفن في الوفيات منعاً للازدحام والإصابة، مع أخذ العزاء في المنازل بقلة، منادياً في الوقت ذاته بالابتعاد عن التجمعات الخاصة بالكنائس والصلوات وتقليلها، مع الاجتهاد في كيفية تفادي التناول في الصلوات بالكنائس وإيقافها حتى ينجلي الوباء.