إكتسب انسان السودان المعاصر تغييرات جوهرية لم تتوفر في انسان السودان قبل نصف قرن ، أبرزها التغيير الثقافي المتمثل في صعود الروح الاستقلالية وتراجع روح القطيع وثقافة التبعية ، هذا التغيير أبرز في الإنسان السوداني شخصية جديدة ناقدة ومتمردة ، وأخفى كثيرا من ملامح الروح المستسلمة للتقاليد .
كذلك إكتسب تغييرات في المفاهيم السياسية ، كان من أثارها الملحوظة تراجع شعبية الاحزاب السياسية ، وتعرض دورها لنقد مستمر وعنيف، كأنه محاولة لتحميلها مسؤلية الفشل التاريخي في قضايا الحكم والسياسة . التغييرات السياسية انتجت اجيال سياسية سودانية لا تهتم بالشعارات واللغة الصوتية ، بل تؤمن بالبرامج و الاثارالفعلية التي تنتجها في تغيير وضع البلاد إلى الأفضل . التغيير اوجد تراجعا في نمو الإعجاب الجماهيري بالأسماء والقيادات ، أصبح هذا الإعجاب مؤقت في كثير من الأحيان ومشروط بالدور الذي يلعبه الشخص لمصلحة الوطن والمواطن .
تراجع شعبية الاحزاب السياسية يدق ناقوس الخطر بداخلها ، اذا لم تحدث ردة فعل تغييرية تستوعبه وتجاوب أسئلته ، قد يتعاظم إلى رفض شبه عام للأحزاب السياسية الراهنة وبصورة خاصة الأحزاب ذات الشعارات والايدولوجيا المعلبة كاحزاب أقصى اليمين وأقصى اليسار .
الأحزاب السياسية بحاجة لمراجعات ذاتية تطور من خلالها لغة جديدة تخاطب بها ثقافة الإنسان السوداني المعاصر الناقدة و المتمردة ، و تستوعب تطلعه لاحزاب برامجية تؤثر مباشرة في مصلحته كإنسان و في قيمته كفرد حزبي له كامل الاستقلال و كل الحرية في التعبير داخل و خارج الحزب .
التغييرات الحديثة في الإنسان السوداني ، ملأت الأجيال الجديدة بالعطش للحرية الفردية ، بالشوق لاحزاب مؤسسية، لا تسبح بحمد أحد ، و لا تعتمد على ايدولوجية دينية أو فكرية ، وإنما تعتمد على مؤسسة الحزب وديمقراطيتها وديناميكيتها ، وعلى نشاط الاعضاء ودورهم الحاسم معا كمجموعة في تقديم برنامج واقعي عملي حياتي يخاطب مشكلات الإنسان اليومية في الخدمات والقانون والحقوق ولا يستهلك نفسه في حمل الجماهير على تبني قضاياه الايدولوجية حول الخلاص والكون والميتافيزيقيا .
الاستقلالية الفردية والنقد والمراجعة والتغيير هي سمات التطور الحديث، هي عناوين البناء المؤسسي الذي ينهض بعضه فوق بعض حتى يبلغ كماله ، لا ينهار ولا يتبدد ، وهي سمات اتسعت دائرتها في الجماهير بفعل ثورة ديسمبر ، وإمتلكت الأجيال الجديدة الشجاعة الكافية للتعبير عنها في الهواء الطلق ، بعد الثقة التي اجتاحتها نظير مساهمتها في الإطاحة بنظام البشير الديني المتزمت، وكأنها تريد أن تقول انها تحررت من نظام المخلوع وتحررت معه من جميع التعاريف والمناهج والايدولوجيات القديمة وفتحت صفحة بيضاء جديدة للوطن ، عنوانها الأبرز الحرية والمؤسسية.
sondy25@gmail.com