منذ أن صدح دكتور جون قرنق دي مبيور برؤيته الثاقبة والآسرة معا (رؤية السودان الجديد) في يوليو 1983م، والتي هدفت في الأساس لتحرير وتوحيد السودان، جابهت تلك الرؤية تناقضات التاريخ والجغرافيا والسياسة والثقافة والمجتمع، ومع ذلك شقت طريقها نحو الجموع واستأثرت بأفئدة وقلوب الفقراء والمهمشين على تباين مواقعهم، نساء ورجال في المليون ميل مربع، ولم تخطئ طريقها نحو المثقفين، وقدم الآلاف أرواحهم تحت راياتها، مع ذلك فقد تغير العالم وتغير السودان، وعلى مستوى الممارسة حصدت هذه الرؤية نجاحات وخيبات عديدة، والآن تقف هذه الرؤية العظيمة في مفترق الطرق شمالا وجنوبا، وتواجه تحديات وصعوبات جمة ليست هي الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة، مثلما واجه الفكر الإنساني تحديات على مر الأزمنة.
رؤية السودان الجديد أمام خيارين لابد أن ينتصر أحدهما، فأما أن تصعد نحو ميلاد ثان يفتح أمامها أبواب التجديد والإنفتاح على الحقائق الجديدة على مستوى الممارسة والنظرية، وأن تستقي دروس جديدة من الممارسة والنتائج التي تمخضت عنها سلبا وإيجابا لتواصل تقدمها نحو الأمام، أو يصيبها الجمود في عالم متغير على مدار الساعة واليوم.
وإذا أراد أصدقاؤنا أو خصومنا أن يعلموا ماذا سنفعل، فإننا بالقطع سنتجه مع كل الراغبين نحو بداية جديدة وميلاد ثان لرؤية السودان الجديد، ننظر بذهن صافي ومتقد، وجمعي وجماعي لنعبر بها ومعها نحو ميلاد ثان، ولا يوجد في مدينة اليوم غير هذه الرؤية للمضي نحو المستقبل، ولن يتأتى ذلك الا بنظرة نقدية شاملة تأخذ معاول الهدم للبناء والتجديد لكل ما جرى منذ 16 مايو 1983م الي يومنا الراهن، حتى نبحر الي ضفاف جديدة دون أن نفقد وجهتنا وأساسياتها والتي تتجه نحوها أجيال جديدة لها لغتها وأحلامها وأساليبها.
إن الأزمات كانت دائما هي فرص جديدة وستقول الحركة الشعبية الكثير في مستقبل الأيام، وكل ذلك يتطلب جهدا جماعيا لنصل معا الي ميلاد ثاني لرؤية السودان الجديد، ولولا تجارب الأمس صعودا وهبوطا لما حصدنا حكمة اليوم.