…بسم الله الرحمن الرحيم..
*في مهب الريح*
…الشيء يُعرف بضده ، والعقلنة ليست نقيض العاطفة ، مثلما درج الناس على فهمها على هذا النحو ، فنقيض العقل هو تعطله لأن العقل والعاطفة بينهما تداخلات ، وهما مكملان بعضهما أحايين كثيرة ، بل ربما اتحد مصدرهما ، لكن العقلنة هي أن تُعمِل العقل في ما يكون العقل فيه هو الأنسب حَكَماً..
..هذا الأمر يعني سيادة قاعدة أن لكل مقام حَكَمُه ، فمقامٌ يكون للعاطفة ، وآخر محله العقل ، والعقل إنما هو عمليات متعددة ، أهمها التفكير والإدراك والواقعية ، وهذه الثلاث ، من الأهمية بمكان ، لذلك فحال كنتَ مخاطِباً ومناقشاً ، أن تصنف أيَ النوعين يتبع هذه الموضوع ؟ هل على سبيل العاطفة ، أم هو موضوعٌ عقلاني ، وفي كلا النوعين لا يُستبعد الآخر بصفة التداخل الملح الضروري ،لكن هنالك سِمةً غالبة ، على أساسها يُصنف الأمر ، هل هو عقلاني أو عاطفي ، ومن ثم أي الطريقين نسلك مع وجود فُرجة صغيرة لما قد نكون في حاجة له .
..فهنالك عوامل تحدد أسلوب النقاش وطريقة إبراز الحجة عن ألأطراف ، أهمها طبيعة الموضوع ، وأهدافه ، ونوعية المناقش ذاته ، هل ذلك الذي يتبنى نهجاً علمياً معيناً وأسلوباً ثقافياً ذا صبغة عقلانية أم عاطفية ؟ ..أيضاً درجة قَبول المخاطَب لأي الأسلوبين أقرب ؟ هذه ذات أهمية كبيرة ..
…في فضاء عالم اليوم..وفي سوداننا على وجه الخصوص ، بوابات متعددة ، سواء سياسية أو إجتماعية صحية مثلما هو حاصل هذه الأيام حول مايقال ويُنشر عن فايروس كورونا ، ونحن نرى كيف تنتشر الرسائل والمقالات والفيديوهات والصوتيات عن هذا الوباء المفتعل عن تعمد ، إختلاط الحقيقة بالخداع ، والجدية بالهزل والنكتة ، والعلم بالجهل .
في ساحتنا السياسية ، وعلى سبيل الكورونا ، تذهب الآراء والمقالات والتسجيلات ، بخم للناس وحشد للعاطفة بدافع الدعم ألسياسي ، أو بدافع النَيل السياسي من الخصم اللدود ، وكلا الطريقين خادع منبوذ ، لكنها السياسة القذرة ، التي لا تعرف المصلحة الأعلى للبلاد والتي من شأنها ، أن يلتقي عبرها الفرقاء السياسيين على الحد الأدنى الذي يذهب بهم نحو المصلحة الوطنية الشاملة ، فاستخدام العقل ينتج بث الوعي في أوساط المجتمع ومن ثم يكون المواطن داعماً أساسياً للطريق السالك لتحقيق الأهداف وغايات الناس والوطن .
..ثمة أساليب تمثل نماذج سلفت ممن هم خيار الناس..كعقلنة النقاش من قِبل سيدنا إبراهيم مع النمرود الذي حااااجَّه في ربه ، تمعنها في القرآن جيداً (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)[سورة البقرة 258] ..ألم تر كيف هي حكمة سيدنا إبراهيم في استخدام لغة العقل وإختصار الحوار بالإقناع .
… المسألة مهمة للغاية ، على أساسها تبدأ علاقات ، وتتطور أخرى ، وتُؤسس منافع أو تُصدُّ أضراراً …والقلوب تتآلف بسبب حجة منطقية قوية ، أو إشارة إنسانية استرعت النظر فشدت أوتار العطف والرحمة ..
.. إذن على طريقة (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)[سورة البلد 10] وهما طريقي :الخير والشر ، كان الأسلوبين ، أعني العقل والعاطفة ، إنما هما أمران لهما ضرورتهما في الحياة ، فقط لو أنهما وُظفا مكانهما الصحيح
..