أحبها اشهر كتاب وأدباء وشعراء عصرها بمصر، فأحبت رجلاً لم تره حتى مماتها!! قالت: إنها تخاف الحب كثيراً ولا يرضيها قليله! وانها شغلت بدراستها وكتاباتها.
الكتابة أسهل شئ عندي، ولكن عندما هَممت بالكتابة عن ماري إلياس زيادة “مي زيادة ” أديبة وشاعرة وكاتبة النصف الأول من القرن الماضى التي تنقلت ما بين الميلاد والدراسة ببلدة الناصرة الفسلطينية، حيث الميلاد لأب لبناني ماروني وأم فلسطينية، وللدراسة الثانوية بلبنان، والهجرة للقاهرة، ودراسة الجامعة، استعصت الكلمات والمدخل لأني وجدت نفسي أمام حالة نادرة لفتاة آية فى الجمال والثقافة، وإجادة عدة لغات، تجمع كبار كتاب وأدباء وشعراء مصر فى صالونها الأدبي “يوم الثلاثاء”، فأحبوها جميعاً، ورغم مقاماتهم السامقة فى زمانهم علماً ومكانة اجتماعية إلا أنها لم تبادل أحداً مهنم حباً، وقد قالوا فيها ما قالوا، ألا أن قلبها تعلق بجبران خليل جبران، ففتن بحبه وهو المقيم بأمريكا، وبادلته الرسائل التي أصبحت أشهر الرسائل التى عرفها تاريخ الادب العربي.
ولخصت حياتها قائلةً : “أنا امرأة قضيت حياتي بين قلمي وأدواتي وكتبي ودراساتي . إني أخاف من الحب كثيراً، لكن القليل من الحب لا يرضيني! فحتى الكتابة ألوم نفسي عليها؛ لأنني بها حرة كل هذه الحرية. أتذكر قول القدماء من الشرقيين أن خير للبنت أن لا تقرأ ولا تكتب!!”.
تقول: “حين يستخفك الفرح ارجع لاعمال قلبك فترى انك فى الحقيقة تفرح بما كان يوماً مصدر حزنك، وحين يغمرك الحزن تأمل قلبك من جديد . فسترى أنك فى الحقيقة تبكي مما كان يوماً مصدر بهجتك”.
كان استقرارعائلتها بالقاهرة مصدر شهرتها ودافعاً لتمدد منتوجها الأدبي شعراً بالفرنسية وكتباً بالعربية، وأجادتها التأليف بعدة لغات اجنبية تتقنها من الفرنسية والإنجليزية والألمانية والإيطالية والإسبانية وترجمتها لأعمال بعض الشعراء الأجانب بلغاتهم وثقافتها الواسعة وحضورها الشخصي والثقافي كان له مردوده الفاعل لما حققته من انتشار وتفرد لدورها فى تحرير المرأة العربية، وحضوركبار كتاب وادباء وشعراء مصر صالونها الأدبي يوم الثلاثاء من كل اسبوع، ومنهم طه حسين وعباس محمود العقادوخليل مطران وأحمد لطفي السيد وأنطوان جميل وأحمد شوقي وإسماعيل صبري وعبدالعزيز فهمي وغيرهم فى ذلك الزمان، “ورفضت أن أكون امراة فى حاشية حديقة نساء من أحببت”.
وقال بعض حضور صالونها الادبي ما يأني :
*عباس محمود العقاد : كل ما تتحدث به “مي” ممتع كالذى تكتبه بعد رؤية وتحضير، فقد وهبت ملكة الحديث فى طلاوة ورشاقة وجلاء، ووهبت ما هو أدل على القدرة من ملكة الحديث، وهى ملكة التوجيه وإدارة الحديث بين مجلس المختلفين فى الرأى والمزاج والثقافة والمقال، فاذا دار الحديث بينهم جعلته “مي” على سنة المساواة والكرامة وأفسحت فى المجال للرأى القائل الذى ينقضه أو يهدمه، وانتظم هذا برفق ومودة ولباقة، ولم يشعر أحد بتوجيه الكلام منها، وكأنها تتوجه من غير موجه، وتنتقل بغير ناقل، وذلك غاية البراعة فى هذا المقام .
*قال أحمد حسن الزيات: تختصر للجليس سعادة العمر كله فى لفته أو لمحة أو ابتسامة.
*لقبها مصطفى عبدالرازق بأميرة النهضة، ووصفها وسكيبزسلاف بنادرة الدهر،وتبعه فارس الخوري الذى وصفها بأميرة البيان، ورأى فيهاالاب انسطاسالكرملي أنها حيلة الزمان .
ولم تتحرك غريزة الانثى عندها تجاه أحد من كبار كتاب وأدباء وشعراء مصر حضور صالونها الادبي الذين أحبوها جميعاً كل بطريقته كذاك الذى حدث لام كلثوم من بعض الشعراء والملحنين الذين تعاملت معهم .. لتتحرك غريزتها تجاه جبران خليل جبران المقيم بأمريكا الذى لم تلتقه حتى رحل، وأفصحت فى رسالة له عن مكون حبها له، إذ تقول : – جبران ما معنى هذا الذى أكتبه ؟ إني لا أعرف ماذا أعني به ؟ ولكن أعرف انك محبوبي، ولأني أخاف الحب كيف أجسر على الإفضاء اليك بهذا وكيف أفرط فيه ؟ الحمد لله أني أكتبه على الورق ولا أتلفظ به: لأنك لو كنت الآن حاضراً بالجسد لهربت خجلاً من هذا الكلام، ولاختفيت زمناً طويلاً، فما ادعك تراني إلا بعد ان تنسى!!
وكان رده عليها: “الكلمة الحلوة التى جاءتني منك كانت أحب لدي وأثمن عندي من كل ما يستطيع الناس جميعهم أن يفعلوا أمامي الله يعلم وقلبك يعلم .. فهذه الإنسانة المتنازعة دواخلها أحبت جبران من على البعد رافضة أن تكون امرأة فى حديقة نسائه ..! ورغم كل هذا احتفظت بحب له تضمنته رسالة بعد موته عام 1931م .
خاطبها جبران بقوله: تقولين لي انك تخافين الحب، لماذا تخافينه يا صغيرتي؟ أتخافين الشمس؟ أتخافين مد البحر؟ أتخافين طول الفجر؟ أتخافين مجئ الربيع؟ لم يا ترى تخافين الحب؟! – أنا أعلم أن القليل من الحب لا يرضيك، كما أعلم ان القليل من الحب لا يرضيني، أنت وأنا لن نرضى بالقليل . نحن نريد الكثير. نحن نريد كل شيء.. نحن نريد الكمال. أقول يا ماري إن فى الارادة الحصول على ذلك، فإذا كانت ارادتنا ظلاً من ظلال الله فسوف نحصل بدون شك على نور من أنوار الله .
ويقول فى رسالة أخرى إلى “مي” : أنت حر أمام شمس النهار وأنت حر أمام قمر الليل وكواكبه، وانت حر حيث لا شمس ولا قمر ولا كواكب. بل أنت حر حر عندما تغمض عينيك عن الكيان بكليته، ولكن أنت عبد لمن تحب لانك تحبه، وأنت عبد لمن يحبك.
من مؤلفاتها : – أول كتاب وضعت عليه اسماً مستعاراً “ايزيس كوبيا”وهو مجموعة أشعار باللغة الفرنسية – باحثة البادية. – وكلمات وإرشادات – ظلمات وأشعة – سوانح فتاة – بين المد والجزر – الصحائف والرسائل – وردة اليازجي – عائشة تيمور – الحب فى العذاب – رجوع الموجة – ابتسامات ودموع .
ولها غير هذه الكتب الكثير وكتبها من واقع عايشته أو سمعته، وتعبر عن واقع مرحلتها بكل ما فيها وفى كتاباتها رومانسية أحبتها منذ زمان باكر من المرحلة الثانوية بلبنان. ولاطماع بعض افراد أسرتها فى ثروتها أدخلوها مصحة للأمراض العقلية إلا أن حملة من عدة جهات أفلحت في توضيح حقيقة الأمر، وعادت من لبنان مرة أخرى إلى مصر. وتوالت عليها النوازل والاحزان برحيل والديها وجبران خليل الجبران الذى لم يلتقها حتى رحل.
وكتبت بعد رحيل جبران قائلة: سحرني بلغته وسحره المدوخين، كان يريدني قريبة منه، بينما هو فى جزء مني لكني رفضت أن أكون مجرد رقم فى حديقة نسائه.
ومضت الى القول: لو قادني القدر نحو ذراعي جبران كنت طحنته بغيرتي، وافترقنا بسرعة بشكل يائس وحزين وحقد لا يمحى. نعم انا سيدة الأقدار الحارقة، ورجل نشأ فى الحرية ومات فيها لا يمكنه أن يدرك حرائقي مهما تواضع معي .كان سندي وصديقي وأخي الذى لم تلده أمي وحبيبي الآخر وموته دمرني!
حاشية: مي زيادة ولدت بالناصرة الفسطينية في عام 1886م، وبها تلقت دراستها الابتدائية، ودرست الثانوية بلبنان، ودرست الجامعة بالقاهرة في1917م، بعد هجرة والديها عام 1908م، حيث اسس والدها صحيفة المحروسة.
فى عام 1912م أسست صالونها الادبي بمنزلها، وتوفيت بمستشفى المعادي في عام 1941م عن عمر بلغ 55 عاماً .
ستمر صالونها الأدبي تسعة عشر عاماً، وراسلت جبران خليل جبران من عام 1911م حتى مماته عام 1931م .
إنها أديبة مؤثرة فى فترة سادها الرجال، وترجمت كثيراً من القصائد لشعراء فرنسيين وإنجليز .
ما اوردت عنها نذر قليل من كثير لا تسمح المساحة بايراده .