أثار قرار الحكومة السودانية، بطلبها من الجامعة العربية، سحب اسم السودان من القرار الذي أصدرته دعمًا لموقف مصر من سد النهضة، حفيظة كثيرين في الدول العربية. ولربما عبَّر مقال الصحفي، عبد الباري عطوان، في صحيفته الإلكترونية، “رأي اليوم”، عن مجمل حالة الدهشة، والاستنكار، العربية لموقف السودان. ولا غرابة، لأن السودان، منذ استقلاله، بقي مقطورةً، تجرها الدول العربية، وفقًا لأجندتها المنسوجةٍ على نول وحدةٍ عربيةٍ، شاملةٍ، متوهَّمةٍ، على حساب أجندته الخاصة به كقطر مستقل. وقفت وراء هذا الانجرار الطويل، سذاجة نخبنا السياسية، ووقوعها في أنشوطة الاستلاب العروبي، والإسلاموي، وانصرافها عن خدمة المصالح القطرية السودانية، بمنحها الأولوية.
تفترض الجامعة العربية أن موقف السودان من قضية سد النهضة، هو بالضرورة مطابقٌ للموقف المصري، وأن مصالح السودان، أو تضرره، من مختلف تأثيرات السد، هي الأخرى، مطابقةٌ لما يراه المصريون، أو ما تراه الجامعة العربية. ودعونا نفترض أن حسن النية، وقلة المعرفة بأوضاع السودان، وبمصالحه قد قادت الجامعة العربية لوضعه مع مصر، في نفس الخانة، فهل من مبررٍ لارتفاع حواجب الإخوة العرب بالدهشة، تجاه تحفظ السودان على وضع اسمه، وايضاحه أن مصالحه ليست متطابقةً، تمامًا، مع المصالح المصرية؟ينبغي على الجامعة العربية، أن تنظر إلى مصالح كل دولةٍ بمفردها، وألا تُدغم مصالح بلدٍ مستقلٍ، في مصالح بلدٍ آخر، باسم الوحدة العربية، والأمن القومي العربي. فنحن مثلاً، لم نسمع صوتًا للجامعة العربية، في قضية احتلال جمهورية مصر العربية، لمنطقة حلايب السودانية، منذ عام 1995؟ كما لم نعرف أن الجامعة العربية خرجت بموقف رافضٍ للتدخل السعودي الإماراتي في اليمن، أو للتدخل الإماراتي، من جانبٍ، والتدخل القطري، التركي، من الجانب الآخر، في ليبيا؟ الجامعة العربية، في كل ما تأتي وما تدع، ليس سوى تجسيدٍ حيٍّ لحالة الفشل المزمنة، للعمل العربي المشترك.
سد النهضة مفيدٌ للسودان. فهو يقي السودان أخطار الفيضانات المتكررة، ويحفظ منسوب النيل مرتفعًا على مدار العام. كما يقلل من الطمي الذي يتراكم أمام السدود السودانية، فيضعف الانتاج الكهربائي، ويقلل من سعة التخزين المائي. يضاف إلى ذلك، فإن سد النهضة سيمكن السودان من شراء كهرباء رخيصة، هو في أمس الحاجةٍ إليها.
لقد سبق أن تنازلنا لمصر عن أراضي حلفا، عندما شرعت في بناء السد العالي. حينها، قام السودان بترحيل خمسين ألف سوداني، ورضي أن تغرق بحيرة السد مئات الآلاف من أشجار النخيل. كما رضي أن يقوم بترحيل آثاره التاريخية، في المنطقة. وقد غرق منها، في البحيرة، ما هو مدفونٌ منها تحت الأرض. وحين اكتمل السد، لم تتكرم علينا مصر بكيلوواط واحد، من الكهرباء. لقد وعى السودانيون دروس الماضي، وصمموا على الخروج من ربقة الاستتباع. فمصالحنا الوطنية، فوق كل شيء، مثلما هي مصالح العرب، عند أنفسهم، كما عرفناهم.
التيار