على مدى عقود من الإستقلال وربما قبل ذلك سادت في بلادنا التي تميَّزت قوميتها السكانية بالتعدُّد العرقي والثقافي والديني ، الكثير من أوجُه السِجال حول مدلولات ووقائع العدالة في توزيع التنمية والثروة وتداول السلطة والتمثيل في الخدمة المدنية وغيرها من الإتجاهات الأخرى للمظالم ، لكن هذا المفهوم الواضح والحاد المعالم في التعبير عن (مضمون) المشكلة أصبح (مشوشاً) وبائن (الترَّهُل) على المستوى (الشكلي) بعدما ما تم إقحامهُ في (فرعيات) ذات مدلول سياسي صارخ و(هُتافي) ، بالقدر الذي جعل المشكلة وكأنها مثوى لتجمعات حزبية تنشُد نشر أفكارها (الثابتة) التي لا تقبل التغيير كمنطق ( آيدلوجي) ، ولو تم تعديل (منهج) التهميش المُدَّعى إلى منهج (التفضيل) أو إعمال وإقرار كل ما من شأنه (ضمان) العدالة القومية.
والحقيقية فإن سِجال الهامش والمركز من حيث التصنيف هو قضية (مطلبية) مُحدَّدة الأُطر و(محدودة) المدى من الناحية النظرية ، لذا يصبح إدماجها كفكرة آيدولوجية تُعبِّر عن تنظيمات سياسية في السودان نوعاً من (الإستثمار) غير الشرعي في العقول و(ربحاً) بغير مجهود في تجارة الحصول على إلتفاف جماهيري حول قضية مطلبية لا ينكرها أغلب الغرماء ، بل ولم يألو أيي نظام سياسي مرَّ على البلاد عدا نظام الإنقاذ البائد في الإعتراف بتلك الحقوق والمطالب وإبداء الرغبة في العمل على معالجتها وتنزيل مطلوباتها أرض الواقع.
وإنطلاقاً من أهمية الشفافية في طرح هذه القضية التي طالما كانت جُرحاً غائراً نأنف عن كشفهِ و تطهير سمومه ، لا بد لنا أن نشير إلى أن القيادات التنظيمية لبعض حركات الكفاح المسلَّح لعبت دوراً في إستطالة وتمُدُّد هذا الصراع ، عبر إصرارهم على مناقشته من منظور (سياسي وثوري) إبان سيادة الأنظمة الديموقراطية رغم محدودية مكوثها الزمني في السلطة ، وذلك عبر مساعيها المشوبة (بإنعدام الثقة) نحو تفضيل الإستعانة بالمجتمع الدولي والمراكز الإقليمية والدولية ذات المصالح والأطماع الإستراتيجية في السودان ، من وجهة نظري فإن قضية التوزيع العادل للثورة والتنمية والتدوال السلمي للسلطة والعدالة الإجتماعية عبر منظور التعاليم الديموقراطية يصبح مجرَّد (إستراتيجية تخطيطية) ذات بُعد إداري بحت ، ولا علاقة لها البتة بمنظور سياسي مُنظَّم ، وذلك ببساطة لأن المركز ليس كتلةً سياسية ولا عسكرية وهو أيضاَ ليس منهجاً آيدلوجياً (مُضاد) يعمل ضد الأطراف أو الهامش.
في إعتقادي أن كل ما أصاب ميزان العدالة القومية من إختلال كانت نتيجته مظالم الهامش وإتهام المركز بالضلوع في جُرم إستنزاف حقوق الآخرين ، هو مُجرَّد خطأ في مبدأ التخطيط الإستراتيجي لبناء الدولة السودانية سياسياً وإقتصادياً وثقافياً منذ الإستقلال أو ربما قبلهُ بقليل ، كان من الأجدى بعد سقوط الإنقاذ أن يتجاوز فرقاء الهامش بمسئولياتهم محيط (المناطقية) الضيِّق إلى محيط (السودانويه) الأوسع والأكثر شمولاً في إقرار مبدأ العدالة والمساواة وإيفاء الحقوق لمستحقيها.