بالرغم من الظروف الصعبة التي يمر بها السودان هذه الأيام بعد ثورته العظيمة، إلا أن تاريخ هذا البلد الكبير يؤكد على أنه دائما في الرخاء والشدة مؤهل للعب أدوار عربية وأفريقية ملموسة وإيجابية، ففي الخرطوم استعاد العرب إرادة التحدي في قمة تاريخية لا تنسي عقب هزيمة 1967، وقد لعبت الخرطوم دورا تفاوضيا ناجحا وقتها بين مصر عبد الناصر والسعودية، كما كان السودان حاضنا للثوار في شرق أفريقيا، وداعما للقضية الفلسطينية ولقيم التحرر في أفريقيا، وكان السودان ولا يزال بلدا مضيافا كريما لكل الذين تقطعت بهم السبل عربا وأفارقة، وهنا تكمن عبقرية السودان، الذي خلق ليكون وسطا في أمتيه العربية والأفريقية، ونموذجا حيا للوسطية والتسامح والتعايش رغم كل التحديات والصعوبات.
نستحضر هذا التاريخ بمناسبة زيارة نائب رئيس المجلس السيادي السوداني الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) لمصر، التي جاءت في توقيت مهم، يقطع الطريق على المحاولات الرامية لتوسيع الهوة بين البلدين.
وقد كشفت تصريحات حميدتي في القاهرة عن عزم السودان الوساطة بين مصر وأثيوبيا للتوصل إلى حل لخلافات قضية سد النهضة، وهنا يجب التأكيد على أهمية إعطاء السودان المساحة اللازمة ليقوم بدور الوسيط الفعال، وهو لديه مصالح مشتركة مع كليهما، ولا يمكن أن يتخلى عن أي من الطرفين، والمؤكد أن سودان الثورة قد حسم خياراته بالتمسك بعلاقات حسن الجوار وتجنب سياسات النظام السابق في اللعب على حبال المحاور والتقاطعات التي ثبت فشلها، وقد أثمرت الرؤية الجديدة في نجاح وساطته بين الفرقاء في جنوب السودان، فهل تحقق الخرطوم نجاحا جديدا في ملف سد النهضة رغم التحديات والصعوبات المحيطة؟
نائب رئيس تحرير الأهرام