كشفت أزمة كورونا العطب الفادح الذي يعاني منه النظام الصحي في السودان ، نظام المخلوع كان يتعامل مع صحة المواطنين كقضية ثانوية وليست أولوية حكومية ، لذلك لم يكن يصرف على الصحة الا ١% اول أقل من الميزانية ، وحتى هذه ينال نصيبها الأكبر الكيزان في مستشفياتهم التي يديرونها ويحاربون غيرها .
ما نعايشه اليوم من هلع وتخبط وخوف في أوساط المواطنين ليس سببه الخوف من كورونا نفسه وإنما الخوف من هذا النظام الصحي ( المهلهل ) الذي لن يستطيع أن يصمد ساعة في وجه هذا الوباء الذي أعيا أفضل الأنظمة الصحية العالمية في ايطاليا والصين ، وبالتالي مهم اتخاذ تدابير تحد من هذا الهلع وتحوله لممارسات إيجابية.
المواطنين ليس وحدهم ، الكوادر الصحية كذلك في حالة ارتباك وهلع، هي تفتقد لأبسط المقومات لحماية نفسها ، تعمل في وضع يصعب معه جدا مكافحة العدوي ، كيف يحمي طبيب نفسه وهو يجلس وحده في طواريء مستشفى وينتظره أكثر من مئة مريض ، وعلى المنضدة التي يجلس إليها يلتف من حوله عشرات المرضى والمرافقين ، هذا أمامه ، وهذا عن يساره ، وهذا عن يمينه ، وهذا من خلفه ، وكل منهم يريد أن يراه الطبيب ، هذا يعطس وهذا يكح وهذا يرتجف من الحمى وذلك يغالب القيء، هذا ليس مشهدا من مسرحية، هذا واقع يحدث يوميا في مستشفيات بلادي ، وهذا الواقع هو الصورة الأكثر تعبيرا عن انهيار نظامنا الصحي وضعفه الذي يجعله أمام كورونا كالريشة في مهب الريح .
كثيرون لا يخافون على السودانيين في بريطانيا او السعودية من كورونا ويخافون على السودانيين داخل السودان ، مع ان الحالات المكتشفة ببريطانيا تخطت المئات وبلغت حالات الوفيات فيها حتى اليوم الخميس مئة حالة وفاة، وفي السعودية تخطى عدد المصابين ال ٢٠٠ شخص ، بينما لم يعلن في السودان الا عن حالة واحدة فقط وتوفاها الله !! هذا الخوف ناتج من علمهم بأن الأنظمة الصحية في بريطانيا والسعودية أفضل من النظام الصحي في السودان ،وبالتالي هذا يجعلهم يشككون وهم يرون مثلا مئات الوافدين من مصر وغيرها من البلدان يدخلون البلاد ولا يتم لهم حجرا ولا حجزا، كما انهم لا يفهمون كيف يتصرفون في حالة ظهور حالة ؟ أين يذهبون ؟ هذه الأسئلة والمقارنات تقودهم إلى حالة من عدم معرفة الوضع الحقيقي ، وتشعرهم بأن الذي يحدث مجهول ، والمجهول لا يثير الا الخوف والقلق .
النظام الصحي السوداني تعامل تاريخيا مع الوبائيات، ولكنه كان تعاملا مع الأوبئة المنقولة عن طريق المياه والحشرات مثل الكوليرا والملاريا ، الكوادر الصحية السودانية تفهم تماما كيفية التعامل مع هذه الأوبئة ، بينما لم يحدث لها ان تعاملت مع وباء تنفسي بشراسة كورونا ، وهذه نقطة ضعف في النظام الصحي يجب تقويتها بسرعة بالتدريب .
علم مكافحة العدوى يكاد يكون معدوما في مستشفيات السودان ومراكزه الصحية ، هناك مستشفيات هي نفسها ناقلة للعدوي دعك من أن تكافحها ، هذا ناتج عن عدم وجود متخصصين في مكافحة العدوى وعدم وجود الإمكانيات اللازمة لمكافحة العدوى ، وهذه نقطة ضعف أخرى في نظامنا الصحي . هناك نقاط ضعف متعددة مثل هجرة الأطباء والكوادر الصحية ، ضعف التعليم والتدريب الطبي وقلة المراكز البحثية الطبية و..الخ وجميعها تحديات تواجه عملية صنع نظام صحي فعال .
في ظل الثورة نحتاج إلى تقوية النظام الصحي، الصحة هي اغلى ما يملك الإنسان، المواطن المعافى يعمل وينتج ويرفع مستوى البلد ، المواطن الضعيف المريض يستنفد مصادر الدولة ، يتحول من مساعد إلى عبء ، ومن منتج إلى مستهلك .نحتاج لزيادة الصرف على الصحة بما لا يقل عن ٢٠% من الميزانية ، وفي الوقت الراهن نحتاج تحويل ما لا يقل عن ٥٠% من الميزانية للصحة من أجل توفير معينات الفحص والوقاية والعلاج لكورونا ، تجهيز مراكز العزل والحجر، تدريب الكوادر الصحية ، تفعيل دور منسقي مكافحة العدوى في كل المستشفيات والمراكز الصحية ، وتوعية المواطنين ومساعدتهم على اتباع الاحترازات الصحية المناسبة.
بريطانيا وفرت ٣٣٠ مليار جنيه استرليني لمواجهة كورونا ، امريكا وفرت خمسين مليار دولار لذات السبب ، فهل سيخرج علينا رئيس الوزراء ووزير المالية بإعلان ان نصف الميزانية سوف يوجه لمواجهة الكورونا ؟ ام سيتركون الشعب لرحمة كورونا تحت هذا النظام الصحي الذي لا يشبه الا ( الراكوبة في الخريف ) .
sondy25@gmail.com