مهما كانت الاسباب التي ادت الى تاخير اعلان نتائج التحقيقات في جريمة فض الاعتصام ، يجب التعامل مع هذا التأخير بقدر على من ضبط النفس وليس بالمواكب ، خاصة وأن البلاد تعاني من خطر اجتياحها بواسطة فيروس كورونا الذي ينتشر بالازدحام ، كما أن هناك ملفات كثيرة ومهمة للثورة مازالت عالقة وفي طور العمل عليها.
الثورات التي قامت في العالم تستهدف في المقام الأول الإطاحة بنظام دكتاتوري قهري ، وإقامة نظام عادل يضمن لكافة المواطنين المساواة في المشاركة والمنافسة . هذا ما حدث في كل الثورات ابتداءا من الثورة الفرنسية مرورا بالثورة الروسية و الامريكية و كل الثورات التي قامت من أجل الإطاحة بالحاكم المستبد سواء كان مستعمرا أو ملكا او رئيسا فاسدا ، جميعها اتفقت على الإطاحة به ، وجميعها هدفت إلى إنشاء نظام يمثل الشعب ، ولا يوجد في الوقت الراهن نظاما يمثل الشعب كما تمثله الديمقراطية.
اذا كان هذا شأن كل الثورات فإن ثورة ديسمبر ليست استثناءا، وبالتالي غاية ثورة ديسمبر الأسمى هي اقامة نظام حكم ديمقراطي يتم فيه تبادل السلطة سلميا بين المواطنين ، يحتكم فيه الجميع إلى قانون لا يميز بين الناس بالعرق او اللون او الدين ، ويعيش فيه الجميع في سلام وإطمئنان .
بناءا على ما تقدم ، فان اهداف ثورة ديسمبر هي الاهداف الازلية و الخالدة للثورات و اختصارا تتلخص في ثالوث السلام ، و حكم الدستور/القانون ، و التبادل السلمي للسلطة عبر الانتخابات ، وهي جميعها أهداف سامية تقود إلى بناء الدولة الناجحة التي يشترك جميع مواطنيها في صناعتها ، وتتمتع بقابلية التطور والصعود المستمر نحو القمة .
لذلك مهم تنبيه الجماهير و الأجيال الجديدة بالتحديد إلى أن جميع الأهداف المرحلية المؤقتة يجب أن لا تعلو فوق هذا الثالوث الأسمى ، خاصة و أن هناك من يريد ويعمل ليل نهار على تغبيش الطريق نحو هذا الثالوث و يفتح باستمرار مسارات جديدة تنقل الجماهير الى اهداف وقتية مؤقتة بلا قيمة مستقبلية تستهلك طاقة الثورة و الجماهير .
هناك كثير جدا من الأهداف المرحلية المؤقتة للثورة وعلى رأسها القصاص لضحايا الثورة ، ورغم ما يظهر على الثوار من تشنج تجاهها ، ولكنها في الحقيقة قضية مؤقتة لا ترتقي إلى عظم قضية السلام مثلا او قضية استدامة التبادل السلمي للسلطة او قضية إنجاز دستور دائم للسودان، فالقصاص لضحايا الثورة قد يشفي صدور الثوار الحاليين و، ولكنه لن يكون سوى مجرد خبر صغير في المستقبل قد لا ينتبه إليه احد ، تماما كما لا ينتبه الثوار اليوم إلى تاريخ القصاص من قاتل الشهيد القرشي في ثورة أكتوبر ١٩٦٤ او قتلة شهداء ثورة أبريل ١٩٨٥ ، بينما الجميع منتبه إلى أن ثورة أكتوبر لم تحقق السلام ، ولم تحقق استدامة التبادل السلمي للسلطة ، ولم تنشيء دستورا دائما للسودان ، وهي أسباب اندلاع ثورات أكتوبر و ابريل نفسها و هي ذات أسباب اندلاع ثورة ديسمبر الراهنة . وبالتالي يجب عدم الاستسلام لمن يريد تصوير قضية القصاص وكأنها غاية الثورة الاسمى ، فالثورة غايتها الأسمى في تحقيق هذه الأهداف الثلاثة و إلا فإنها ثورة فاشلة سيعود الجميع منها بعد فترة قصيرة للبحث عن ثورة أخرى جديدة.
في ظل اختلاط الأهداف الكبرى مع الأهداف المرحلية المؤقتة ، سوف يستخدم الكثيرون اسلوب تجييش الجماهير عاطفيا ، وقيادتها كأنها منومة مغنطيسيا نحو أهداف مرحلية لن تقود الا إلى تفجير الأوضاع و اظهار الثورة ، وكأنها قد سرقت ، وبالتالي انفضاض الجماهير عنها ، وسهولة الانقضاض عليها من قبل الشموليين و الدكتاتوريين ، لذلك مهم الانتباه الى المعارك الكبرى للثورة و المعارك الصغيرة المؤقتة والتفريق بينهما . مهم ان ننظر نحو الأفق البعيد لا تحت أرجلنا ، ان نركز على ثالوث الأهداف الضخمة الواضح جدا أمامنا مباشرة لا عشرات الاهداف المؤقتة على الاجناب .
sondy25@gmail.com