بعض الأحيان ورغم عثرات الحياة و تعقيداتها المتواصلة ، أجد نفسي مضطراً للتأمل في بعض التفاصيل الدقيقة للأشخاص و الأحداث بالقدر الذي يستغرقني وقتاً كثير ، طالما ما فقدت بسببه كثيراً من مصالح هذه البسيطة الزائلة ، ومن آخر تأملاتي ما صاحب تعليقاً لوالدي رحمه الله قبل سنين عديدة عندما قال لأحد أقربائنا (مبروك البِنيه إن شاء الله تتربى في عزكم أها سميتوها منو ؟) فرد عليه صاحبنا قائلاً سميناها ( ومضة ) .. فإستنكر الوالد ذلك بالقدر الذي أشعرني بالحرج أمام الرجل فضلاً عن أنه أردف قائلاً : (ومضه واحده بس .. معقول ياخي تسميها بما يعني سانحة ضوء واحدة و سريعة و زائلة ، ياخي ما تسميها ..ومضات.. و لا نور) .. منذ ذلك اليوم صرتُ مُهتماً ومتفحصاً فيما يقع في أذني من أسماء حديثة تبارى فيها الناس إستغراقاً في الغرابة أم رغبةً في الإختلاف والتفرد لا أدري ولكن هذا ما جرى أو يجري عليه الحال ، شيراز ، نرمين ، لينا ، رتاج ، رنا … ألخ ومع إحترامي للأباء والأمهات الذين سمَّوا بناتهم أو حتى أبناءهم الذكور بمثل هكذا أسماء ربما بحثاً عن التميُّز غير أنه من الواجب أن نشير إلى أن الإسم هو نوع من التمييز القائم على مندوبات أهمها سهولة النطق وجزالة المعنى وسمَّو حالة التشبيه والإشارة ، فكلما كان الإسم غريباً في نطقه ، بعيد المنال في معناه لعامة الناس وبسطائهم ، كلما كان أقل تأثيراً في إشاراته الإيجابية للمتعاملين معه للوهلة الأولى ، بعض الناس هم في الأصل من المتخصصين والضليعين في علوم اللغة العربية وفرعياتها المختلفة ، وهم في الواقع مُلِّمون بمفرداتها القصيه والعصيه بالقدر الذي يدفعهم أيضاً بحثاً عن التفرد إلى (التطرُف) في إختيار أسماء لبناتهم وأبنائهم هي في الحقيقة بالنسبة للمُتلقي بمثابة إمتحان عسير ومباغت في مادتي النطق ومعاني الكلمات ، جميلٌ جداً أن تُسمي فلذة كبدك بإسم غير متداول ولا مُستهلك وهو ممكن إن تحلينا بالصبر وإجتهدنا وأشركنا الغير وطلبنا المساعدة ، أما أن تطغى المُحاكاة والرغبة في الإختلاف على المندوبات الشرعية والعرفية للإسم بالقدر الذي يجعلك تحتاج إلى قاموس اللغة العربية لمعرفة معاني الأسماء ومدلولاتها فذاك لا مُحالة عيبٌ وإنتقاصٌ كبير ، يعني بالدارجي كده يا أخوانا ده تقصير كبير في حق البنات والأولاد ديل يعني قاموس العربية الفصيح والفسيح ده خلاص كِمل من الأسماء البسيطة في نطقها وعميقة في معناها ، والله أنا خايف واحد تعجبوا الجملة الفاتت دي ويسمي بتو (عميقه) ، وبما أن كثير من الناس ليس لديهم سِعة الوقت والصدر لممارسة تأملاتي في الأسماء المستحدثة هذه الأيام وخصوصاً للإناث ، ولا يكترثون مثلي لمعانيها ومدلولاتها أو نطقها نطقاً صحيحاً ، لكن سوف لن تعدم أمثالي من (المُستغاظين) بهذه الظاهرة في مناسبة ما ليدور بينهم وبين والد المولودة الحوار التالي (المغيوظ : مبروك ياخي .. المولودة الجديدة سميتا منو ؟ / الأب : باريفاز / المغيوظ : يعني شنو ؟ / الأب : ده صوت كُحة الهُدهُد الحيران ساعة غروب الشمس) أو نفس الحوار في مكان آخر (المغيوظ : مبروك ياخي .. المولودة الجديدة سميتا منو ؟ / الأب : جمبوليلا / المغيوظ : يعني شنو ؟ / الأب : صوت ورق الشجر الناشف لما ياكلوه الغنم في موسم نضج اللالوب). يا أخوانا أهدوا شويه !!