عندما يقال لك إن اقتصاد السودان ليس سيئاً لتلك الدرجة التي تتصاعد فيها اأعداد الذين يعيشون تحت خط الفقر يومياً، ويفشلون حتى في تأمين قوت يومهم … من يقول لك ذلك ستراه مجنوناً أو معتوهاً، خصوصاً عندما ترى بأم عينيك ما يكابده عامة الشعب من ضنك العيش والمسغبة.
ولكن – كما يقال- الأرقام لا تكذب فقد اطلعت على تقرير بنك السودان عن الميزان التجاري للعام 2019م و ازددت يقيناً أننا لا نعاني مطلقاً من اي أزمة اقتصادية، بل نعاني من سوء إدارة اقتصادية، ونعاني من سوء تخطيط، ونعاني من فوضى غير مسبوقة في الميزان التجاري.
صدقوني إذا قلت لكم إن السودان وبقليل من التخطيط وبقليل من الأمانة والنزاهة وبإرادة سياسية قوية لن يحتاج الى أي إعانات خارجية، بل سيكتفي ذاتياً في مدة لا تتجاوز العامين .
وحتى لا أرمى الكلام على عواهنه، سأتوقف عند بعض الأرقام التي ظهرت في الميزان التجاري للعام 2019م لتتأكدوا من صدق ما أقول.
التقرير يقول إن ما جرى تصدير من الذهب في العام 2019م بلغ 21 طناً بملبغ إجمالي وقدره 1,22 مليار دولار! أقل التقديرات تقول إن الذهب المنتج يبلغ 200 طن حسب تقديرات وزارة التعدين .. هذا يعني أن هناك 180 طناً جرى تهريبه بطرق غير شرعية! أي مصيبة هذه .. وأي كارثة!
نأخذ مثالاً آخر من ضمن واردات السودان في العام نفسه خضروات (والله العظيم خضروات) بإجمالي مبلغ وقدره 57 مليون دولار .. هل هذا البند يحتاج إلى تعليق مني؟! لا أعتقد ذلك .
السودان استورد سكر في العام نفسه بمبلغ وقدره 335 مليون دولار! أين كنانة واين الجنيد وأين النيل الأبيض.
السودان يستورد ألباناً ومنتجاته بمبلغ 74 مليون دولار! .
ومثال آخر أكثر ألماً وحسرة.. السودان استورد زيوت نباتية وحيوانية في العام نفسه بملغ وقدره 210 مليون دولار .
السودان استورد سمك ومعلبات سمك (والله العظيم اسماك) بمبلغ مليون ونصف المليون دولار!
السودان استورد بهارات بمبلغ 20 مليون دولار! أتوقف عند هذا الحد حتى لا تصابوا بالاكتئاب .
لم أتحدث بأن استيراد القمح الذي بلغت فاتورة استيراده 1,08 مليار دولار .
وأنا على ثقة كاملة لو تم صرف نصف هذا المبلغ في زراعة القمح في السودان لأكتفينا من هذا ( الهيدك) كما يقول الفريق حميدتي في سنة واحدة!!
بقي أن تعلم أن جملة واردات السودان بلغ 9,29 مليار بينما الصادرات بلغت فقط 3,29 مليار بعجز فاق 5 مليارات دولار !!
وبحساب بلدي وبسيط، فإن الواردات يمكن ان تنخفض إلى أقل من 50 % اذا توقفنا وقمنا بمراجعة دقيقة لما يتم استيراده.
وفي الوقت نفسه مراجعة ما يتم تصديره .. إذا قفلنا فقط ماسورة تهريب الذهب فقط لخرجنا من هذه الحالة التي نعيشها. لن يكون هناك أي عجز في الميزان التجاري .. صدرنا 20 طناً بأكثر من مليار .. كيف سيكون الوضع اذا صدرنا 150 طناً؟ ( احسبوها براكم عشان تعرفوا المصيبة جاياكم من وين).
نقطة أخيرة .. كل الدول التي تتعامل مع السودان تجارياً في الصادر والوارد تكون الكفة راجحة لتلك الدول عدا مصر، فإن الكفة في صالح السودان نصدر لها ما قيمته 496 مليون دولار، ونستورد منها ما قيمته 366 مليون دولار .
أكبر دولة نتعامل معها تجارياً هي الإمارات !! واذا عرف السبب بطل العجب 90 % من صادر السودان للامارات هو الذهب .
الكلام عن الميزان التجاري كثير ومثير وخطر.
نحتاج إلى قرارات ثورية يا وزير المالية ..يا وزير التجارة ..يا وزير التعدين .. يا وزير الداخلية .. اوقفوا هذا العبث بمقدرات هذا الشعب الغلبان .. نحن أفقر شعوب العالم في أغنى دولة في العالم
والله يدينا الصبر على الكورونا وعليكم .