مساء الجمعة الموافق 20 مارس 2020 توفي صديقي وإبن عمتي محمد أحمد (تيراب) في عمر يناهز السابعة والستين. كان قد بدأ رحلته في طريق الأبد قبل ثمانية أشهر وأرتاح الموت حين أسكته بالأمس . ” إنا لله وإنا إليه راجعون ” .
درس في عبري الأولية 1960 – 1965 ثم عبري الوسطي 1965 – 1970 وسافر إلي مدينة الدلنج في جنوب كردفان للدراسة في معهد الدلنج للتربية ومن ثم عمل مدرسآ في مدارس منطقة السكوت حتي تقاعد قبل ثلاث سنوات.
كنت أسأل الفقيد عندما نلتقى في الإجازات الصيفية عن أين تقع مدينة الدلنج وكيف تسافرون إليها؟ وكان يحكي لي قصص الأسفار وأنهم يقرأون دعاء السفر ستين مرة .. وتقع مدينة الدلنج في منتصف الطريق بين الأبيض وكادوقلي.
ومن نافلة القول إن المناضل عباس برشم فرح ينحدر من منطقة الدلنج وهو الذي اغتالته دكتاتورية جعفر النميري إبان المحاولة الانقلابية التي قادها المقدم حسن حسين عثمان عام 1975م. وأيضاً من زملائه في معهد دلنج للتربية الفنان والأستاذ عبد القادر سالم والأستاذ محمد حسن محمد أحمد ( ابن عمه)، وهو الآخر كان من المبدعين في فريق جزيرة أرنتي وكان لقبه ( كافينول )..
ربما ظهر عندنا حبوب الكافينول في تلك السنة أواخر الستينايت بعد أن أعيتنا حبوب السلفا والبرشام سنين عددا .. أهالي جزيرة أرنتي مبدعون في إطلاق الألقاب، وأتذكر أن أحدهم سقط من أطول نخلة في البلدة، ونام نومً عميقاً علي الأرض، واستيقظ وذهب في حاله بحاله، ولٌقب بـ (تريسي) أو الحديد ..
تــــيراب:
لقب الفقيد بـ ( تيراب ) في نهاية الستينيات من القرن الماضي عندما ذاع صيته في ملاعب كرة القدم بمدينة عبري، وكان من أميز العدائيين، حيث ينطلق كالريح والكرة إما أمامه أو خلفه.. وكلما أشاهد العداء الجامايكي (بولت ) أتذكر تيراب وأتذكر تلك السنوات في عبري ..
العزاء موصول للأخ سمير صديق لاعب الوسط المبدع ، والعزاء للأخ كافينول، ومعلمنا سيد حسن صالح ومحمد عبدالحميد تاجر ومحمد عبد السيد وعلي رضوان ومحمد صالح محمد خليل ومحمد عبدون ( كوندا ).. وعزاء خاص للمهندس سعد الدين يماني اللاعب الشامل.
ربما جاء اللقب ( تيراب ) من اسم السلطان محمد تيراب أحمد سلطان دارفور، الذي كان من أكفأ سلاطين عصره، وهو الذي أعاد للسلطنة نفوذها وزعامتها .. أقول ربما ..
الصبر واحتمال الغضب :
كان من خصال الفقيد تيراب الصبر، كان من ذوي الهمم العالية والنفوس الزكية، ولا يفقد اتزانه عند الغضب، وفيه بعض من جينات والدي الشقيق الأكبر لوالدته .. وتوفيت والدته (عمتي بابة سيدي) في عام 1961م، وكان تيراب في عمر السابعة، وكنت أنا في الثالثة أمشي وأحبو وأزحف.
أتذكر أن المشيعيين مرواً بالجثمان أمام منزلنا في (أوبا) وكان الطريق الرئيس خلف المنزل.. مروا ووضعوا الجثمان علي مقربة من المدخل، وقرؤوا الفاتحة، وبعض الدعوات، وواصلوا إلي المقابر .. ربما كانت في تلك الدعوات أن يطول الله في عمرنا، ويجعلنا من الصالحين البارين بالوالدين ..
بابة حسن كريمة هجرة بشير وشقيقة الأستاذ وليد حسن محمد أحمد ، خلفت العبء:
نايلة تيراب، ونيازي تيراب، ونذير تيراب، ونايل تيراب.. الثمار الحلوة .. والدكم كان يتمتع بالصبر الجميل .. وأصواتكم اليوم رغم الغصة أعطتني إحساساً، بأن الله كتب لكم الصبر ..
مقابر المايقوما:
كان الحزن العميق بالأمس ونشر الغبار الأسي في مقابر المايقوما بالحاج يوسف، وعاد الناس إلي بيوتهم، وتركوه وحيدآ هناك في المقبرة ذات الظلام.. وداعاً حبيبي تيراب: أنت السابق وأنا اللاحق . إلي اللقاء.
خميس مشيط
21 مارس 2020