أؤيد شخصيّاً بشدة قرار اللجنة العليا للطوارئ الصحية
والسلام القاضي بفرض حظر التجول ابتداءً من يوم غد الثلاثاء (24 مارس 2020م) في كل
البلاد من الساعة الثامنة مساءً، مع إيقاف الباصات السفرية ابتداءً من الساعة
السادسة من مساء الخميس المقبل.
هناك كثيرون لم يلمسوا الرعب الذي تملّك وزير الصحة د. أكرم التوم وهو يعلن عن خطة وزارته لمواجهة خطر الكورونا، والدليل أن هناك من أعلن عن مليونية في عز الأزمة، مطالباً بتحسين “معاش الناس”، وهو يرتكب جريمة واضحة في حقهم؛ ومع أن المليونية كانت وهماً كبيراً، إلا أنها تحمل مضامين مدمرة، ومنها أن نعيش حياتنا كأن ما يحدث حولنا في العالم لا يعنينا، متوهمين أن الحر يقتل الكورونا، وأن سمرة بشرتنا حصن حصين ضد الفيروس.
وتغلق السلطات السعودية الحرمين الشريفين، وتمنع
الصلاة بهما، وتمنع إقامة صلاة الجمعة، بينما نحن نصلي الصلوات الخمس في المساجد،
ونجلس ساعات في صلاة الجمعة نستمع إلى خطب عهد السلطان عبدالحميد، في ظل انقطاع الكهرباء،
وانعدام وسائل التهوية، فهل أخذنا عند الله عهداً ألا يصاب سوداني بالكورونا.
ويصر أهل الزهد والتصوف على إقامة الحوليات بدعوى أنهم
يتعبدون، ومن ثم، في حماية الله، كأننا استمرأنا تحوير تعاليم ديننا، ليصبح وسيلة للتسطيح،
بدلاً من أن يكون أساساً للوعي والتنوير.
وتغلق الحكومة المدارس والجامعات، فيتسكع الطلبة والطالبات
في الشوارع، كأنهم في إجازة، ومتاح لهم الترفيه عن النفس كيفما يشاؤون.
وتغلق الحكومة صالات الأفراح، فنقيم الحفلات في
البيوت، ونقيم مراسم العزاء كأن شيئاً لم يكن، وتستمر سفرياتنا بين الأقاليم، ونمارس
الحميمية في اللقاء، ونحن نتزاور، ونملأ المستشفيات لمعاودة المرضى، والأمرّ أن
أطفالنا جزء مهم في كل هذه الطقوس التي نمارسها من دون خوف أو وجل.
رسائل المسؤولين واضحة ولا تحتاج إلى كثير من الذكاء
للتفسير والتحليل، فرسالتهم المتعلقة بحظر التجول تقول: “مواطنينا الأعزاء
نعلم جميعاً بأنه لا يوجد علاج لهذا الوباء ولا لقاح ولا تطعيم، والعلاج الوحيد هو
منع التجمعات والالتزام بالبقاء بالمنازل”.
أي لا حيلة لنا أمام هذا الوباء الذي اكتسح العالم،
وتجلت شراسته في أكثر دول العالم تقدماً، غير الوقاية، لأن الأمر إذا بدا كارثيّاً
في دولة مثل إيطاليا كيف سيكون الأمر عندنا إذا انتشر الوباء، لا قدر الله.
ليتنا بدلاً من لعن الحكومة إذا انفلت الأمر أن
نساعدها ونساعد أنفسنا والبلد على تجاوز هذه الأزمة بالالتزام لا بالحظر الليلي،
وإنما بأن نلزم البيت، ولا نخرج إلا للضرورة القصوى، وأن نتواصل مع من نحب عبر
وسائل التواصل الكثيرة التي نشكر الله أن توافرت لنا في هذا الزمان، وأن نتبع
التعليمات.
كل من يخالف حظر التجول الذي أعلن اليوم الاثنين في
المملكة العربية السعودية يجري تغريمه غرامة كبيرة، لأن المخالف يرتكب جرماً في حق
البلاد والعباد، فليتنا في السودان نتعامل بكل حزم ضد أي مخالف للتعليمات الرسمية،
لأن الحكاية جد.