(السلفقه) مصطلح سوداني دارجي يعني في عامة إستعمالاته اليومية ، الإحتيال والغِش والمماطلة للتغوُّل على حقوق الآخرين ، ذكَّرني بهذا المصطلح شخصاً في مدينة ود مدني قبل ما يقارب الثلاثون عاماً كان مُلَّقباً بـ (علي سلفقه) ، وقد كان يعاني من إضطرابات نفسية ولكنه للحقيقة لم يُلَّقب بهذا اللقب لأنه كان من (المُسلفقين) ، كل ما هنالك أن هذا الرجل كان دائم الصراخ في الأسواق وأماكن التجمعات العامة بجملة مشهورة يعرفها معظم الذين تواجدوا في مدينة ود مدني ذلك الأوان وهي (دنيا كِضب وإستهبال وسلفقه) ، كانت هذه جملته المشهورة والتي لا يهتف بغيرها ، ومنذ ذلك الأوان البعيد في حقيقته الملموسة والقريب إلى قلبي من الناحية المعنوية ، لما إمتاز به من سمات وصور حياتية باذخة وساطعة لم أسمع شيئاً عن (علي سلفقه) سائلاً ربي الكريم إن كان حياً أن يُسبغ عليه ثوب الصحة والعافية وإن كان متوفياً أن يرحمه ويجعل مثواه الفردوس الأعلى ، أخونا علي سلفقه لا أظنه حين كان يردِّد جملته المشهورة كان يعرف شيئاً عن السلفقه الحقيقية ، لأن ذلك الزمان الذي عايشناه وعايشه غيري لا يستقيم أمر وصفه لمن لم يعايشوه من جيل هذا الزمان بغير أن نقول أنه كان زماناً للفضيلة والأخلاق النبيلة والأمانة وقمة مستويات التعاضد الإجتماعي وكذلك إتسامه بسيادة راسخة لدولة المؤسسات ، لو كان علي سلفقه يعلم في ذلك الأوان أن (فكر السلفقه والضحك على الذقون) سيكون إستراتيجيةً عامة تتبنَّاها الدولة والمؤسسات والافراد ، ويقومون بدعمها بكل ما أوتوا من قوة وإمكانيات ، لزادت نفسيته إضطراباً وإغتاله الجنون أو ربما أوصله ذلك حد الدهشة التي يستقيم بها أمر إضطرابه ليتعافى وينضم إلى فئة العقلاء ، لقد أصبحت السلفقه أو الإستهبال في حياتنا اليومية سمةً عامة نتداولها في حكاوينا وعلاقاتانا ومعاملاتنا ونألفها حتى صرنا نستغرب ونستعجب إذا شذ و أفلت في حياتنا موضوع وإنتمى إلى حقبة الصدق والأمانة والنزاهة والعدالة في موازنة الأمور ، نبدأ يومنا بروتينية تعاملنا مع سلفقة حكومتنا التي رفعت يدها (إستهبالاً) وبهتاناً عن كل إلتزاماتها وواجباتها تجاه الجماهير ، غلاء فاحش تعجز الدولة عن محاصرته وأسواق للعملة الصعبة متمرِّدة تقارع سياسات بنكها المركزي وأزمات في الوقود وغاز الطعام والخبز والضمير ، وأدوية منقذة للحياة منعدمة وغير متوفِّرة للدرجة التي توقف عدداً مُقدَّراً من مراكز غسيل الكلى ، وتعليم بلا تخطيط ولا رعاية ولا رؤية إنطلاقاً من كونه أصبح مجرد بورصة سوقية وإستثمارية شعارها التعليم لمن يستطيع والجهل للفقراء ، كل ذلك يتجرَّعه المواطن البسيط الذي لا ينتمي إلى فئة المُترفين من (المُمَّكنين) والموالين والطفيليين الجدد ، على مائدة السلفقة المُغطاة بالتصريحات الكاذبة والآمال الواهمة وأحياناً (الطناش) المحض الذي برع وأبدع فيه النافذين ولم يعُد يقارعهم في صناعته حصيف ، ثم إن داء السلفقه لم يقف عند حد أصحاب القرار لتنتقل عدواهُ إلى ساحات المجتمع العامة ، تحت شعار إذا كان رب الدار للدُف ضارباً ، فالزبون أصبح عندنا مطية التاجر ، لا مكاييل ولا موازين ولا مواصفات ولا أسعار مُحدَّده (كله في دائرة السلفقه) ، والخدمة المدنية تنوء بالتسيُّب والترهُّل الوظيفي والتكاسل عن أداء الواجب وإتساع دائرة المحسوبية والفساد الإداري و(كله سلفقه في سلفقه) ، ماذا تعرف أخي علي سلفقه عن إمبراطورية السلفقه الكبرى التي تطحننا هنا وأنت لم تحضر هذا الزمان ؟.