ونحن نغوصُ في قاع الإحباطات اليومية ، عبر وقائع كثيرة تُشير إلى أن المسافة بيننا وبين إرساء التعاليم الديموقراطية والعدالة وإحترام الحقوق والإيفاء بالواجبات ما زالت بعيدة وشاسعة ، كان لا بد لنا من وقفة (رثاء) حُزناً على فقدان (الوجود الفعلي) لقيَّم حقوق الإنسان وإحترامهُ وتقديس مكانتهِ في ثقافة بعض القطاعات المهنية ذات التأثير المباشر عبر تواصلها وإحتكاكها المُتكرِّر واليومي مع الجمهور.
ففي الإسبوع الماضي تداعت قيمة إحترام الإنسان السوداني عبر حادثة تعدي نظاميين وللأسف في مستوى ضباط على مواطن سوداني بمدينة الفاو ضرباً وشتماً وسحلاً ، حتى إتضح بعد ذلك أنه قاضٍِ بالهيئة القضائية مما أدى إلى إعلان القضاة إضراباً تم رفعهُ لاحقاً إنحيازاً للمصلحة العامة ، وبغض النظر عن ماهية مهنة المُعتدى عليه فإن ما قام به أولئك النظاميين كان تحت (إفتراض) أن مَنْ قاموا بإهانته والتعدي عليه (مُجرَّد مواطن عادي) لا يملك سلطةً ولا نفوذاً يرفع من قيمته الإنسانية في إعتبارهم ، وهو ما كنا قد إشرنا إليه مراراً بأن جميع القوات النظامية تحتاج إلى (تدريبات) وجرعات تثقيفية عنيفة وعميقة في مادة إحترام المدنيين والإلمام بفكرة أن العسكرية في نهاية الأمر واحدة من المراكز الخدمية التي أُنشأت في الأصل لخدمة المواطن وحمايتهُ والزود عن حقوقهِ ، ثقافة المسار الديموقراطي التي تُقدِّس الشعب وتجعلهُ الحاكم والآمر والمخدوم الأول والأخير هي ما يفتقدهُ المنهج العسكري لجميع الشرائح النظامية في السودان ، فالفكرة لا يمكن إرساءها على أرض الواقع ما لم تعمل الجهات العليا والمراكز القيادية على رعايتها وتأكيد وجودها وسريانها في عقلية ووجدان العسكريين ، خصوصاً الرتب الصغرى التي عادةً ما يدفعها الحماس والتفاخُر بالقوة وحوزة السلاح والسُلطة لتجاوز تلك القيِّم والمباديء.
وفي نهاية ذات الإسبوع وتحديداً يوم الجمعة ، فُجعنا بعد إطِّلاعنا على حادثة لا تخرج كثيراً عن ما سبق ذكره بخصوص إحترام حقوق الإنسان السوداني وحمايته من العُنف البدني واللفظي والمعنوي والعنايه بفكره ووجدانه ، وذلك عندما إنتشر عبر الميديا خبر موثوق أفاد أن مجموعة من المصلين بولاية شمال دارفور أبلغوا عن تلفُّظ أحد أئمة المساجد في خطبة الجمعة بألفاظ نابية وفاضحة يترفع عن ترديدها الجاهل في موطن السوء ومواخير الفُسق والفجور ، ناهيك عن ترديدها عبر مكبرات الصوت في مسجد من مساجد الله ، ثم يقوم ذات الإمام بإهانة شرف الطبيب السوداني ويدعو المصلين ومن سمع خطبته عبر مكبِّر الصوت إلى عدم الإعتداد بالإجراءات والإرشادات الطبية التي فرضتها وزارة الصحة والجهات المعنية والخاصة بالوقاية من جائحة فايروس كرونا ، وكما يستقوى بعض النظاميون بحوزتهم السلاح والنفوذ على حقوق البسطاء وعامة الناس ، ها هم بعض رجال الدين والدُعاة الرسميين المُنصَّبين بأمر الدولة يستقوون أيضاً على (عامة) المسلمين بحوزتهم المنابر وما (يدَّعونهُ) من علمٍ الله ورسولهُ منهُ بريءٌ يوم يتبيَّن الحق وترُدُ الأمور جميعها لله رب العالمين.
آن أوان الرفع من مستوى قداسة الإنسان السوداني لدى كل القطاعات المهنية الخدمية في البلاد ، عبر تثبيت ثقافة أن الشعب هو الحاكم الأول والمخدوم الذي تُقدَّم مصالحهُ وحقوقهُ على ما سواه ، القطاعات النظامية والإدارية والثقافية والدعوية والإقتصادية كلها تحتاج وعبر مُخطَّطات تعدها قياداتها وإداراتها العُليا إلى (إعادة تأهيل) في مادة إحترام حقوق الإنسان على المستوى الحِسي والمعنوي.