أحياناً تراودني بعض الأفكار التي تبدو لي في أغلب تفسيراتها ومراميها (بديهية) وأحياناً ( منطقية) ، فأمتنع عن إعلانها تواضُعاً لله ولمن هُم أعلم مني بها ، ومن باب أني بالتأكيد لن أكون الأكثر فهماً أو الأعمق غوصاً في عمومياتها وتفاصيلها أكثر من أهل الإختصاص فيها ، لكن وتحت وطأة الضغوط التي تنتجها تلك الأفكار أضطر كما هو الحال الآن أن أطرح مثل هذا السؤال : ما هي (الحِكمة) التي يسعى إلى تحقيقها وزير الصحة وطاقمه من وراء عدم إعلان أسماء الحالات المصابة بفايروس كورونا ؟ ، هل يا ترى يقصدون من وراء ذلك الحفاظ على (سُمعة) المريض وأسرته ؟ ، وهل تعتبر الأصابة بفايروس كورونا (وصمة عار) أو حدثاً يدعو صاحبه للخجل والحياء ؟ ، لماذا هذا التعتيم المشوب بالكثير من الأضرار التي تُضعف إجراءات وقاية الآخرين من المرض ، يتَّسترون على (حامِل) فايروس كورونا وكأنهُ (حامِل) بالحرام.
والغريب أن وزارة الصحة في كل مرة تقوم فيها بالإعلان عن تلك الحالات غير المُسماة ، تختتم بيانها بجملة أن الوزارة تقوم بعمل الإجراءات الخاصة بفحص وحجر (المخالطين للمريض) ، وتتناسى الوزارة مُمثَّلة في الجهة التي وضعت بروتوكول الإجراءات الخاصة بالوقاية من فايروس كورونا ومحاصرة مصادره أن المريض المُصاب وبما أن مدة حضانة الفيروس قد تتجاوز الإسبوعين وأحياناً الثلاثة أسابيع قبل ظهور الأعراض ومن ثم التبليغ (يختلط) ويتعامل مع جهات (أخرى) بعيدة عن مُحيط أُسرتهِ الصغيرة وبعيدة أيضاً عن محيط الأقارب والجيران والمعارف التقليديين ، فهناك علاقات (لصيقة) لكلِ منا مع أصدقاء (بعيدين) وعلاقات شخصية (مُغلقة) وخاصة وعلاقات مع أصحاب مصالح لا يعرف عنها أقرب المُقرَّبين شيئاً ، كما أن هناك الكثير من التعاملات الإستثنائية الأخرى التي تحدث بين حامل الفيروس وآخرين لا يمكن للجهات المعنية في وزارة الصحة وعبر إستقصاءاتها في دائرة الحركة العادية للمريض الوصول إليها ومن ثم فحصها وحجرها ، إعلان إسم الحالة المصابة كفيل بتوسيع دائرة الوصول لمن (خالطوه) خارج إطار علاقاته وحركته الروتينية ، فأقوال المريض وذاكرته قد لا تُسعفه لتدارُك كل التفاصيل التي واكبت نشاطاته لمدة إسبوعين أو ثلاثة.
وحتى لا يقارعنا أحدهم في ذلك بأن القوانين واللَّوائح والأعراف وتعاليم المهن الطبية تفرض أن تكون معلومات المرضى (سرية) حتى لو كانوا يعانون من أمراض عادية ، نذَّكرهم بأن تصنيف منَّظمة الصحة العالمية لمرض كورونا على أنه (جائحة) يجُب ويلغي كل تلك القوانين والأعراف ليحل بدلاً عنها تطبيق (برتوكول) منظمة الصحة العالمية الخاص بمجابهة كورونا والذي لا يمانع من تمليك المجتمعات كل المعلومات التي ترفع من فعالية إتقاء المرض والحد من إنتشاره بما في ذلك إعلان إسم المريض الذي ثبتت إصابته أو حتى أولئك الذين هم تحت الحجر الصحي ، وهذا ما يحدث الآن في كل العالم ، فالكثير من الزعماء والوزراء وكبار المسئولين والمشاهير أعلنوا إصابتهم أو الإشتباه في إصابتهم وإقامتهم في الحجر الصحي دون أن يُقلِّل ذلك من شأنهم بل ربما رفع ذلك من مكانتهم وإحترام عامة الناس لهم تقديراً لمبدأ صراحتهم وشفافيتهم ، فضلاً عن إنحيازهم وحرصهم على صحة الآخرين خصوصاً الذين خالطوهم على المستوى الرسمي وغير الرسمي.