عام مضى على ذكرى الملحمة التاريخية التي سطرها رجال وكنداكات السودان في السادس من أبريل ٢٠١٩ حين اقتحموا عنوة واقتدارا المتاريس العسكرية والأمنية ووصلوا إلى القيادة العامة ، معلنين عمليا إنتهاء عهد الدكتاتور البشير .
ليس هناك أي سند لصحة الأنباء والتسريبات التي تحدثت عن فتح متعمد للجماهير للوصول للقيادة العامة ، فالذي حدث كان مفاجئا لكل الأجهزة الأمنية ولقادتها بعد أشهر من المواكب المتتالية التي لم تتراجع أبدا لا في العدد ولا في الصمود . المواكب قدمت أرتالا من الشهداء والجرحى وآلاف المعتقلين وظلت تواصل الخروج تقودها الكنداكات وصغار الشباب من الجيل الجديد، كانت كل القراءات والأدلة والاستنتاجات تشير إلى حتمية انتصار المد الجماهيري الكاسح ، لذلك كان خروج الجماهير بالملايين في صباح ٦ أبريل واقتحامه للقيادة العامة سطوة شعب جبار ، لم يحتاج فيها لإذن او سماح .
خرجت الجماهير في ٦ أبريل من كل حدب وصوب، إنهمرت الى الشوارع كالمطر ، كان المنظر مذهلا أدهش حتى الجماهير نفسها ، كان الطوفان يموج في طرقات الخرطوم ،اصاب الخرس جميع الكتائب الأمنية ، فقدت القدرة على التعامل مع الوضع ، الجماهير كانت تتدافع من كل مدن الخرطوم الثلاث من كل أحيائها وبيوتها ، كان إعصار كاسح لا يمكن صده ، كانت ملحمة مكتملة الأركان لا يمكن لأي جهاز أمني السيطرة عليها.
التنادي لمليونية ٦ أبريل نحو العاصمة كان مكثفا ولم يقتصر على سكان العاصمة فقط ، آلاف الشباب من الولايات تدافعوا قبل يوم او يومين إلى العاصمة ، للدرجة التي لفتت نظر الأجهزة الأمنية فأصبحت تعترض مسار بصات النقل العام وعربات المواصلات وتعتقل الشباب من عليها ، ولكنه لم يكن سوى تدخل باهت ، فالملايين كانت على أهبة الاستعداد، حتى إذا انطلقت الزغرودة تدافعت الجموع ، هزت الأرض هزا، وأقتحمت القيادة العامة للقوات المسلحة عنوة وجبرة .
ما حدث بعد اقتحام القيادة من بكاء هستيري بين الجموع ، كان هو العنوان الأول للنصر ، وما حدث من تدافع شعبي عجيب في مد الاعتصام بالماء والطعام كان هو العنوان الثاني لهزيمة الدكتاتور، وكان ان ارتفع الهتاف ( صابنها ) . رغم المحاولات الأمنية المتكررة طيلة الأيام التي أعقبت اعلان الاعتصام في القيادة وارتقاء عشرات الشهداء ، ظل الاعتصام أقوى من نظام المخلوع، وازداد صلابة بانحياز بعض الضباط الشرفاء له أمثال حامد ( الجامد) ومحمد صديق ، لذلك كان طبيعيا أن تنحاز القوات المسلحة في خاتمة المطاف لشعبها وتعلن خلع الدكتاتور .
ليس غريبا أن تتوافق ملحمة ٦ ابريل ٢٠١٩ مع ذكرى ثورة ٦ أبريل ١٩٨٥ التي اقتلعت نظام الدكتاتور نميري ، فالشعوب دوما تستلهم العزم والبسالة من التاريخ ، شعب بلا تاريخ، هو شعب لا وجود له ، وسفر السودان مليء بالتاريخ البطولي ، بعانخي وطهراقا ، المهدي وودحبوبة ،عبدالفضيل ألماظ وعلي عبداللطيف ، القرشي ، انتهاءا إلى شهداء ثورة ديسمبر الأماجد، سفر معبء بالملاحم ، معبق بالتضحيات ومضمخ بالبسالة والشجاعة.
لم تكن ٦ أبريل وما لحقها من ملاحم اعتصام القيادة وملحمة ٣٠ يونيو الا نفث لانفاس هذا الشعب حين الغضب ، هذا الشعب اذا خرج لا يرحم جلاد ولا يزر دكتاتور ، شعب متمرس على التضحية ومجرب للثورات ، لا تهزمه الكتائب ولا يصده الرصاص .
رحم الله شهدائنا الكرام ، وشفى الجرحى وأعاد المفقودين ، وأعاد علينا ذكرى ٦ أبريل القادمة ، وبلادنا قد أنجزت السلام والعدالة وخطت في دروب الدستور الدائم وقانون الانتخابات . كل عام وشعبنا جبار ، كل عام والوطن أعظم .
sondy25@gmail.com