يا شعبا تسامى
يا هذا الهمام
تفج الدنيا ياما
وتطلع من زحاما
زي بدر التمام
يوم 6 أبريل نحمد الله أننا من شهودها العيان.. شاهد
ومشهود على يوم قتل فيه أصحاب المال المنهوب والحق المسلوب..
شاهد حق على بطولة وشجاعة رجال وشباب السودان وبناته..
شاهد على عزة وكبرياء المرآة السودانية..
شفاتة وكنداكات.. ومعهم نحن جيل التضحيات… من غيرهم ليعطي هذا الجيل معنى أن
يعيش وينتصر… من غيرهم لصياغة
الدنيا وترتيب الحياة القادمة..!!
كنا معاً هناك في قلب الحدث يوم 6 أبريل.. والخرطوم
تجيب عنسؤالنا
الذي كان قد طال انتظاره: متين تضحك سماء الخرطوم حبيبتنا ومتين تصفى..
ضحكت الخرطوم وهي تمد لسانها لأولئك ……
الشعب كان في الموعد، والوطن كان أمام ملحمة وطنية لم
يسجلها شعب قط في العصر الحديث.. فقراء نحن نعم، ولكننا شعب عظيم يستحق وطناً
يحاكي قدراته على الفعل.
قبل اليوم الموعود، ظلت الأبواق الخفية لإعلام اللصوص
الذين استباحوا الوطن باسم الدين تطلق التحذيرات أن مجزرة ستحدث أمام القيادة
العامة في حال تجرأ الثوار، وتقدموا نحو الحصن الحصين للإنقاذ. كم سرقوا وكم شبعوا
على حساب تجويع وتدمير أمه كاملة حباها الله بكل الموارد الكفيلة للنهوض والبناء.
توالت هواتف المشفقين أن اجلسوا في بيوتكم من أجل
سلامتكم. وأصحاب اللحى الكاذبة يحذرون في المساجد من اليسار والشيوعيين والشر
القادم..!! .. كأن زمن الإسلامويين هو العدل المطلق والأمان الذي لا بديل عنه.
وكأن زمانهم هو زمان الخلفاء الراشدين …ونحن الشهود على بيوت الأشباح والتعذيب
والإذلال باسم الشريعة..
ما هو الأسوأ الذي يمكن أن تقترفه أي جهة او حزب سياسي
في السودان حتى يظن هؤلاء أنهم كل الخير وغيرهم هو كل الشر.
إنهم النازيون الجدد ولا غير
نازيون لبسوا لبوس الإسلام
وصدقوا أنفسهم..
لقد
ثار الشعب وما زال يلتف حول ثورته؛ لأنه ليس بالإمكان أسوأ كما كان في زمن هؤلاء.
هل من فعل أفظع من القتل الذي هدم الكعبة أهون منه عند
الله؟ وقد فعلوه بدم بارد؟… دكتور على فضل والمسمار في رأسه، مجدي محجوب وجرجس
والإعدام شنقاً في حفنة من الدولارات، وقد مارسوا فيما بعد تجارة العملة والمضاربة
في سوقها …البشير انتهى ومعه شيخه عبد الحي مضارباً في اليورو والدولار، ومدخراً
لنفسه ملايين الدولارات، بينما شعبه يموت جوعا وقهراّ. ومعه شبع حد التخمة كل شيوخ
العصابة التي حكمت بالحديد والنار، وتطاولت في البنيان مثنى وثلاث ورباع.
كان وما زال شيوخ الإنقاذ يظنون أن لا بديل لحكمهم
الراشد.. وهذا هو ابو بكر عبدالرازق ينعق ويتحدث بصوت عالٍ عن صلاح حزبه، كأنه
يخاطب جيلاً لم يعرك عصر حكمهم البغيض… يرسم صورة وردية عن حركة إسلاموية عرف
السودانيون مكرها وخبثها وضحالة فكرها وحب كوادرها للدنيا حباً جماً… وأن السلطة
لديهم ليس لعبادة الله كما يجاهرون وإنما لحياة دنيوية يعيشونها بالطول والعرض.
يتشدق رجل المؤتمر الشعبي توأم المؤتمر الوطني، كأنه
لم يقترف جريمة قتل شهداء رمضان ودفنهم أحياءً في قبور جماعية. و(خوش) على الإيمان
والصلاح كما يقول أهلنا في العراق أو (سلم لي) عليه كما يقول أهلنا في مصر… دجل
ونفاق ومحض ادعاء. ويحدثنا أبوبكر عن الحرية والعدالة والإقصاء يا سلام على الانقلابي
القاتل العفيف سيد الطهر السياسي الذي لم يقص أحداً، ولم يمارس التمكين، ولم يدمن
التعذيب، وقهر الرجال في المعتقلات..!!.
الإنقاذ كلنا يعلم هو النظام الذي أتى به شيخهم
الترابي الذي يصنفه أبوبكر هذا، مفكراً إسلامياً، ونحن نسأله: هل قدم شيخه ومعه
حزبه الأجوبة عن الاسئلة الكبرى عن الدولة الاسلامية التي ينتظرها العالم؟
الراسمالية الوضعية طرحت النظام البرلماني أو الرئاسي
المنتخب والاقتصاد الحر القائم على الربا للعالم .. وكان هذا النظام يا شيخ أبوبكر
ملاذكم الذي تغترفون منه زوراً باسم الإسلام حتى أصبحت بنوككم الاسلامية أكبر
مضارب في قوت الشعب… ولم يجد عراب اقتصادكم عبد الرحيم حمدي غير سياسة التحرير
منهجاً، وبذلك تم تدمير الاقتصاد السوداني باسم الشريعة. هذه الرأسمالية الطفيلية
المقلدة للنظام الراسمالي الوضعي الكافر ما زال يقتات على موارد بلادنا باسم
الاسلام… فماذا قدم الترابي وماذا قدم حزبكم؟.. بل ماذا قدم غيركم من الحركات الإسلاموية
العالمية التي شاركتكم وليمة اللئام في السودان… هل من فكر اقتصادي إسلامي؟؟. ما
هو يا شيخ أبوبكر النتاج الفكري لشيخك الترابي او حزبك؟
هذا النظام الرأسمالي الربوي على سوءاته، تقوم عليه
عدة دول ذات قوة اقتصادية في العالم ومع ذلك العالم يحتاج إلى حلول بديلة. وعلى
العكس من الراسمالية، قدم الاشتراكيون الماديون فكراً ونظاماً سياسيًا يقوم على
ديكتاتورية البروليتاريا.. ونظاماً اقتصادياً يقوم على ملكية الدولة لوسائل
الإنتاج. توافق نظامه ام لم يتوافق معنا، فقد كانت الفكرة كفيلة لنشوء دولة بقوة
الاتحاد السوفييتي سابقا والصين حالياً.. الدولة التي تتقدم الآن بخطى حثيثة
لتتبوأ قيادة العالم كقوة عظمى.
ما هو المنتوج الفكري لحزبكم أيها الكيزان، الحزب الذي
اختطف الإسلام وأصبح يتحدث باسمه في كل مكان، واستنزف وطنا بحجم السودان؟… من
السهل يا أبوبكر، الزعم أن لديكم ولشيخكم، فكرة وفكر، لكن على الأرض كنتم وبالاً
على السودان وشعبه… وقد أثبتت العقود الثلاثة من حكمهم البئيس خواء فكركم من كل
ما قد ينفع الناس في الدنيا والآخرة..!!
يتحمل هذا الذي يدعى أبوبكر عبد الرازق وحزبه كل أوزار
ما حاق بالسودان والسودانيين من مصائب. وإني لاستغرب كيف يكون مثله طليقاً يريد أن
يقتسم سلطة انفردوا بها ووطن اوردوه الهلاك؟
يظن أمثاله أن ثورة أبريل حدث عابر في تاريخ السودان،
ذلك من غير استيعاب لحقيقة أن الثورة نتاج مراقبة وانتظار طويل لتجربة الحركة الإسلاموية
السودانية.. انتظار دام ثلاثين عاماً وأكثر.. ما حدث كان انفجار لغضب شعبي جارف
انتهى والى الابد بزبد كان عليه أن يذهب جفاء.. لم يكن لينفع الناس حتى يمكث في الأرض.
قبل سقوط الإنقاذ في 6 أبريل توالت التظاهرات، وقدم
الشباب تضحيات جسام، وحصدت الرصاصات التي أطلقتها مليشيات حزب أبوبكر عبد الرازق
أرواح شباب عزل خرجوا بصدور عارية من أجل استعادة الحرية والكرامة.
في ذلك اليوم (6 أبريل) خرجت من مسكني في الشجرة،
ميمماً شطر القيادة العامة، وما أن اقتربنا من شارع القصر إلا وقد وجدناه محاصراً
بسياج من التاتشرات والكجر المدجج بالسلاح. قررت ومن معي العودة إلى خرطوم 2 لنجد
مجموعة من الشباب ينتظمون في شكل خلايا متباعدة. خطب في مجموعتنا أحد الشباب قائلاً:
(يا جماعة نحن اليوم هدفنا الوصول إلى القيادة، لن نتراجع عن هذا الهدف مهما كلفنا
ذلك. لكن علينا أن نتفق: لن نترك أحداً منا يأخذه رجال الأمن في عرباتهم، إذا
فعلوا ذلك كلنا سنقفز الى داخل كل سيارة تختطف ثائراً). سبق ذلك هدوء واجم حتى
راودني في لحظة كابوس فشل 6 أبريل. لكن ما هي إلا لحظة حتى أطلق أحد الشباب صافرة،
كما أطلقت إحدى الفتيات زغرودة، ليزدحم المكان في طرفة عين بشباب جاؤوا من كل حدب
ينسلون. تحركت مجموعتنا تجاه شارع المطار، وكلما تقدمنا زاد العدد، وما إن وصلنا
شارع المطار حتى كان المشهد من شدة ألقه واصطفاف الثوار مد البصر، مبكياً من شدة
الفرح.
لم أصدق أن
الشعب قد نفد صبره وأصبح أكثر إصرارا على إسقاط هذه الطغمة الإسلاموية الغاشمة.
التقى القادمون من كل فج عميق في شارع المطار ليشهدوا سقوط الإنقاذ. تلك اللحظة
كانت من أجمل أيام حياتي. وعندنا اقتربنا من مقر قيادة الأمن باتجاه القيادة
العامة للجيش كان شارع المطار قد امتلأ عن آخره بالثوار، وأخذت صعقة المفاجأة حتى
عسكر القيادة… مشهد يا موطني ما أروعه… عند الوصول إلى القيادة كانت
المفاجأة… لم يكن الشباب وحدهم هناك، بل ضم المشهد الرجال والنساء وحتى الأطفال..
سيدة عجوز بالكاد تتحرك سألتها ما بك يا خالة هنا… قالت لي انتظرت العمر كله من
أجل هذا لذا انا هنا…جلست أو تم اجلاسها وسط الكنداكات وهي سعيدة بما تراه
امامها..ما حدث كان شيئا عظيما فوق الخيال.
عندما تواصلنا مع آخرين علمنا أن العالم كله كان يتحدث
عن عظمة ذلك المشهد.
اصحاب النظام البائد حانقون على شعب ازاحهم من المشهد
وإلى الأبد … تمر ذكرى أبريل والثورة ما زالت تتحسس خطاها، يتربص بها اعداء الداخل
والخارج. في الداخل يظن الإسلامويون توهماً أنهم عائدون، ويعيبون على السلطة
الانتقالية تباطؤها في معالجات الأزمات، وهم ينسون او يتناسون ما فعلوه بالوطن…
قبل الإنقاذ كان اقتصاد السودان يعتمد على محصول القطن في مشروع الجزيرة وقد
دمروه، وعلى الصمغ العربي، وقد أقعدوه عن دوره، وعلى تصدير الماشية، وقد تم تدمير
مؤسسة تسويق الماشية وأسسوا لأنفسهم بنكاً اسموه الثروة الحيوانية، واختلسوه. هذا
على سبيل المثال لا الحصر.. لم يبقوا مورداً بحرياً ولا نهرياً ولا جوياً، حيث تم
تدمير كافة وسائل النقل مع سبق الإصرار والترصد. كما تم بيع موانئ التصدير
بورتسودان وسواكن…
وقبله تم تمزيق الوطن بفصل الجنوب ببتروله وخط أنابيبه
.. وباسم الخصخصة تم بيع بنك الخرطوم لمستثمرين من دولة الامارات والأسواق الحرة
وسكة الجديد وأحد البنوك لرجل الأعمال السعودي جمعة الجمعة… تشابكت مصالح
الكيزان، حتى النيل لم يعدّ ملكاً لأهل السودان.
من أين يا شيخ أبوبكر عبد الرازق، ويا شيوخ الجبهة الإسلامية،
لأي جهة أن تجد الحلول لإصلاح ما أفسده نظامكم الاسلاموي الغاشم؟؟
من المدهش أن يتحدث من دمر السودان وأضاع أكثر من 100
مليار دولار من عائدات البترول وحده عن الاصلاح…
لكن الثورة ستمضي قدماً لإزالة التمكين الذي يخشى منه
هؤلاء.. ستمضي مهما صعب الأمر؛ لأن ذلك هو الطريق الوحيد لإحداث التغيير المطلوب.
وخلال ذلك سيستمر أبوبكر عبد الرازق ومعه كل الذين استباحوا الوطن في الصراخ،
وسيزداد عويلهم كلما اقتربت الثورة من بروجهم المشيدة من قوت الشعب.
عاشت الثورة السودانية وإلى مزبلة التاريخ أعداء الشعب
والوطن.