ما زلتُ ورغم إيماني التام بأن رفع الدعم عن المحروقات والدقيق والإكتفاء بدعم الدولار الدوائي ، هو أقصر الطُرق للوصول إلى معالجات جذرية ستدفع بمسيرة النمو الإقتصادي في البلاد ، يراودني الترَّدُد حول هذه القناعة ذات البُعد الإقتصادي البحت والتي لا يمكن تناولها بعيداً عن منظوراتها السياسية والإجتماعية التي في كثيرٍ من الأحيان تجعلني ومعي آخرين ننتقِل من حد (الترَّدُد) إلى حد (التخوُّف والتوجُّس) من حدوث كارثتين ستكونان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير في مُخطَّطات تدعيم (خلود) المسار الديموقراطي كإطار دستوري يحكم البلاد والعباد وينأى بها عن مغبة الوقوع في مستنقع الإنقلابات العسكرية مرةً أخرى بعد كل تلك التضحيات التي بُذلت من أجل إنتشالها إلى بر الأمان.
أما الكارثة الأولى ذات البُعد الإجتماعي فتتمثَّل في كون رفع الدعم له من الإنعكاسات (المُرة) على معيشة المواطن البسيط ما لا يمكن تفاديه بالمعالجات (الوهمية) ، مثل ما يُردِّدهُ السيد / وزير المالية عن مُخطَّط الدعم النقدي المباشر للطبقات الدُنيا أو حتى رفع مستوى الأجور ، وبحسب التجارب السابقة تظل كل تلك البدائل والمعالجات مُجرَّد ( مُسكِّنات) قصيرة الأمد لا تقضي على المرض وفي ذات الوقت لا تُريح الذين سيعانون بالحصول على الفناء المحض ، وبما أن الفقر العام وفي ظل إستمرار الدعم هو صاحب المساحة الأكبر في مُجمل الأوساط المُجتمعية السودانية ، علينا أن نُعمل الخيال فيما إذا تم رفع الدعم عن المحروقات بالتحديد وما سيحدث من إرتفاع في قيمة ترحيل البضائع وإنتاجها ، في إعتقدي أن ذلك سيوصلنا إلى مرحلة (الجوع) المودي بالحياة ، ففي ذلك الأوان لا أظن أن قيَّم التكافُل والتعاضُد التي إشتهر بها المجتمع السوداني ستكون قادرة على إستيعاب (عجز) الفقراء عن تدبير أمر حاجياتهم الضرورية.
والكارثة الثانية على مستوى البُعد السياسي فتتمثَّل في تداعيات الفقر والضائقة المعيشية وتأثيرها على إستمرار (صبر) الناس وإلتفافهم حول المسار الديموقراطي الذي يتم بناؤه الآن ، مما يُهدِّد (بإضعاف) المقاومة الشعبية المتوقَّعة لأية محاولة إنقلابية أو إلتفاف سياسي (مُفبرك) يتستَّر خلف المجهول ويعمل على تعديل أو تخريب برامج ومُخطَّطات الحُكم الإنتقالي ، فالإعتماد فقط على (وعي) النُخب وإستيعابها لـ (إيجابيات) رفع الدعم ، بمعزل عن (عامة) الناس الذين في الأغلب لا يستطيعون (تحسُّس) أيي أداء إيجابي للحكومات خارج إطار توفير وتيسير أمر الضروريات اليومية ، هو في الحقيقة بمثابة الإتكاء على ظلٍ زائل ، في إعتقادي أن رفع الدعم في التوقيت الحالي بمثابة إسفين مبدئي يطعن في جسد البناء الديموقراطي وهو أيضاً الخطوة المتعثِّرة الأولى في طريق العودة إلى الأنظمة الشمولية وهذا ما ينتظرهُ أعداء الثورة ومُتضرِّريها على أحرَّ من الجمر.