يستلف علم الادارة نظريات استخلصت من بيئات بعضها من عالم الحيوان، الذي يوفر نظرية هيكل (النقر عند الدجاج ) للباحث النرويجي ثورليف شيجلدلدبروب تقول هذه الخلاصة العلميه ان للدجاج ثقافة تجعله يعيش في مجموعات يحكمها هيكل متدرج ونظام اجتماعي هرمي ، ويتم فيه ترتيب قطيع الدجاج وفق الهيمنه. بحيث توجد دائما في القطيع دجاجة مهيمنه لها حق نقر (نقد) جميع الدجاجات الأخريات ويمنع نقرها من اي دجاجه اخرى.
تاتي بعدها دجاجه تاليه في الترتيب والهيمنة ويحق لها نقر جميع الدجاج في المجموعة الا الواحدة. اي الدجاجه الأعلى منها في الهيكل . ووفق هذا الهيكل تحصل كل دجاجه على (حصانة) بعدم النقر من الأسفل منها في السلم وهي ممنوعة من نقر الأعلى وعلى هذا المنوال تمضى الامور حتى نصل الى دجاجه في القاع ينقرها جميع الدجاج ولا يحق لها نقر اي دجاجه.
هذه الثقافة سادت في السودان ولكن بكسر هذا الترتيب. وبرزت دائما بعد الثورات (اكتوبر وابريل وبعد ديسمبر) ، إذ بعد سقوط الانقاذ علا صياح بعض الدجاج بصورة فاقت تجربة جبهة الهيئات في اكتوبر وأبريل مجتمعتين. ويتولى كبر الصياح والنقر من لا يمتلكون حصانه ولا هيمنة شعبيه ولا حتى ريش يمكن من قلب هيكل النقر وجعل عاليه سافله .فمثلا الصياح ضد الدكتور ابراهيم البدوي تجسيد لمحاولات كسر هيكل (النقر) اذ يقوم دجاج من أسفل السلم ولم يكن الاقتصاد من معارفه بالتهجم الشخصي على الوزير لتعويض الجهل بالبرنامج الاقتصادي الإسعافي الذي يطرحه والمكون من ثلاث مراحل. و على طريقة (لا تقربوا الصلاة) يشرع الدجاج المطلوق بالوسائط في نقر طار (رفع الدعم) (وهو فرحان) متوهما انه( سيوبر دجاج). بينما لو اطلع لوجد أن الخطة الكليه تستهدف دعم القطاعات الإنتاجية وتحفيز الاقتصاد ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة ودعم مشاريع الشباب والمبادرة الفرديه فضلا عن الدعم النقدي او العيني المباشر للفقراء. و لا عجب فعين السخط تعمى عن رءوية الحق بقدرما تبدئ المساويء .
لهذا حملة (النقر ) ضد ابراهيم البدوي لا ترى الا السلبيات بينما ايجابيات طرحه تتجاوز السلبيات فأسعار البنزين والخبز ظلت منذ ٢٠١١ ترتبط بالقوة الشرائيه للجنيه فقبل انفصال الجنوب كان جالون البنزين بدولار بينما سعره حاليا يعادل سنتا من الدولار لان الدولار نفسه صار يعادل مائه واربعين جنيها بسعر اليوم. وكانت ست أرغفة بجنيه لانه وقتها الجنيه يعادل ريالا وربع الريال اي انه يساوى بسعر اليوم حوالي خمسين جنيها ثم عندما تراجع الجنيه نقص عدد الرغيف من ست الى خمس ومن خمس رغيفات الى اربع حتى وصلت الى ثلاث ارغفة قبل انهيار نظام الانقاذ فمن يطرحون انفسهم حزبا حاكما وقادة للثورة ويسعون لإدارة الدولة فان عليهم استصحاب هذه الخلفية قبل ممارسة (النقر) التي لا تخدم لهم هدفا. اذ الهجوم والنقر مكرس على شخص وزير الماليه مما يشخصن التداول بينما نقد برنامجه ينعكس ايجابا على تحسين اداء (السيستم) العام للقطاع الاقتصادي. ولهذا آلتهجم المؤدلج يمثل اطلاق نار ولكن على اقدام الحزب الحاكم.
وتحرياً للموضوعية و الحقيقه ان كان لابد من هجوم بحثا عن التصفيق، ينبغي توزيعه على عضوية (الحزب الحاكم) لتقرأ الواقع وتواكب العصر وليس على من لا يؤمن بفكرة (القطيع السيوبر) .كما يجب ان لا يتوقع هؤلاء من الضحية قبول ثقافة (النقر). بمعنى عندما يهاجمون الدكتور ابراهيم فانهم يتوهمونه في اخر هيكل (النقر) ويجب عليه الاستسلام للهراء او بقاموس ( الكيزان ) قبول (الأنابش) .
وعود على بدء من التقدمية المؤصلة ادراك أنه منذ سبعين عاما تخلت المجتمعات الواعية عن هذه الثقافة في الادارة والاقتصاد والسياسة. لان الدراسات المحكمة وتطبيقاتها بينت ان هذه التوجهات لا تقود الا الى ردود الأفعال السلبيه وتدمير ورح الفريق في العمل المؤسسي وخصوصا في قطاع الاعمال.
وابرز دراسه للتدليل وصحته ما قام به فريق من معهد ماساتشوستس وذلك للإجابة على السؤال : ما الذي يجعل بعض المجموعات اكثر نجاحا واكثر انتاجا من الاخرى ؟
بينت الدراسة ان المجموعات المتفوقة في معظم عينات الدراسة تميزت بثلاث ميزات :-
اولا التعاطف الاجتماعي العالي بين بعضها بعضا اي على عكس ثقافة ترتيب النقر
ثانيا لم يهيمن احد على الباقين بل تساوى الجميع في النقاش
ثالثا حيثما كانت النساء اغلبيه في المجموعه تميزت بالنجاح.
وفي عام ٢٠١٥ نشرت الامريكيه مارغريت هيفرنان دراسة عن ثقافة (ترتيب النقر pecking order ) دعت فيها للتخلي تماما عن هذه الثقافة وأشارت الى أهمية تفعيل مفهوم التواصل الاجتماعي كعامل نجاح في مقابل ما أسمته ثقافة(الدجاج السيوبر) كعامل فشل مدمر. وأشارت الى ان هذا النموذج نموذج الدجاج السيوبر ظل يحقق نوعا من النجاح ولكنه عبر رفع كرباج النفوذ والترهيب ورغم النجاح الذي يتحقق في المدى القصير فقد ثبت في البيئات المختلفه انه في المدى البعيد يبدد الطاقات ويرسخ ثقافة عنوانها كما تراني اراك.
وكما في ثقافة الدجاج السيوبر تتولد ثقافة مدمرة تتوهم بان النجاح له مفتاح واحد هو قمع الآخرين وسبهم واغتيالهم سياسيا ومعنويا. ولهذا نرى في السودان القطيع( السيوبر) او الشله السياسية لا فرق ، يستخدمون كرباج الاعلام وكرباج السلطة متى كانت في أيديهم لخدمة تصوراتهم التي قد يختلف معها الملايين وهو مما يقود دائما لرد فعل مضاد وللانحراف بالوظيفه العامه والانشغال بما هو انصرافي. وفي الحقيقه هذا حصل في التجربة السوفياتية والمنظومة التي كانت تستنسخها فأسهمت ضمن عوامل اخرى في تحللها.
لان هذه الثقافة تعمم الخوف والنفاق ومسح الجوخ وتقتل روح الابتكار والابداع.
لهذا يصح الاستنتاج بان هذا النمط من التفكير السياسي تجاوزته التجارب الإنسانيه الناجحة . وبالتالي لا يصلح في سودان ثورة ديسمبر لان اخر ما يحتاجه وطننا (النقر) الذي يقود الى الفشل.