يكتم السودانيون أنفاسهم كل يوم مترقبين أخبار كورونا، فكل بيان عن حالة جديدة ناقوس ينبي بخطورة الانتشار الذي ما زلنا بعيدين عنه والحمد لله. وبكل أسف في مثل هذه الأثناء تتعالى أصوات تعيش في كهوف الجهالة بأن السودان خال من الكورونا .. ليبلغ نزقهم درجة الهتاف (مافي كرونا ما تغشونا) !
كان بالإمكان تجاوز هذه السلوكيات، رغم خطورتها، إذا توقفت عند ذاك الحد، لكنها وبكل حسرة انتقلت إلى حد التظاهر والتحشيد الذي لم يمنعهم منه أحد في الظروف العادية، ليهددوا الأمان الصحي للوطن بشيوخه وشبابه ونسائه وأطفاله، ضاربين عرض الحائط بكل محاذير الكرونا التي تمسك بخناق كل العالم !
ما أرخص الكسب السياسي حين يأتي بتلك الأساليب !
هل أرادوا القول للناس بأن السودان يعصف به الغلاء، وأن المعاناة ماثلة في الخبز والغاز والكهرباء وغيرها؟ هل خطر ببالهم أن السودانيين لا يعلمون بذلك ؟ وهل تملكهم الوهم بعدم علم أبناء الوطن بتلك الأوبئة الاقتصادية الموروثة؟
إن العقل ليرثي لمثل هؤلاء، وهم يغمضون أعينهم عن اقتصاد قام النظام البائد ببرمجته ليكون في حالة تدحرج قاتل .. بعد أن تم وضعه في منحدر صنعه فريق (المخلوع) بكل إتقان!
هل أصاب آذانهم الوقر وهم يسمعون ويعلمون أن الثورة قد ورثت مديونية دولية نحو ٦٠ مليار دولار .. تزداد الفوائد عليها كلما شرقت شمس على الوطن؟
هل علموا أن أصل ذلك الدين الخارجي كان ٣٧ مليار دولار ليصلوا بنا إلى الهوة السحيقة التي يسعى الوطن الآن لتخفيف وطأتها؟
وهل علموا اتساع تلك البيئة الفاسدة التي ترعرعت في كنف النظام البائد مضاربة بالدولار وتكسبا من الأزمات؟ هل طاف بذهنهم مقدار ما فقده الوطن من قيمة عملته نتيجة الطباعة الرعناء للعملة التي ما زالت متكدسة في مخابئ الفاسدين؟
الوطن يدخل الآن معركة لم تتضمنها الوثيقة الدستورية .. ولم تأت في حسابات الفترة الانتقالية .. ولا مجال فيها للمزايدات السياسية .. لأن كرونا يستهدف وجود السودانيين كلهم .. لا يعرف حكومة أو معارضة .. ولا يستثني صغيرا أو كبيرا .. ومع ذلك يأتي من ينكر وجود الوباء ويتنادى إلى التظاهر .. ليبث الحياة في الداء الذي تسعى البلاد لاحتوائه رغم ضراوة الأزمات وشح الإمكانيات !
متى يفهم هؤلاء؟
يا للجهالة !!