ما شكَّلتهُ الثلاثون عاماً الأخيرة من (تاريخ) الحركة الإسلامية في السودان عبر حُكم الإنقاذ وتحت كافة مُسمَّيات هيئاتها المُعلنة وغير المُعلنة مثل (المؤتمر الوطني) أو (الحركة الإسلامية) أو (المؤتمر الشعبي) أو (حركة الإصلاح) وغيرها مما نعلم وما لا نعلم من بؤر نشاطها التنظيمي والسياسي الذي يدَّعي البعض ولعلهم صادقين بأنهُ قد وصل بفعل التمكين إلى عرصات الخدمة المدنية ومؤسسات الدولة وقواعدها الإقتصادية الإستراتيجية ، سيظل بكل بساطة وعلى الأقل لجيل الشباب الذي أشعل ثورة ديسمبر المجيدة (سجِّلاً) واضح المعالم وفي متناول اليد لكل (مُتسائل) و(مُتشكِّك) و(مُحايِّد) ليحصل عبرهُ على كافة أنواع الإنطباعات السلبية وربما مشاركتهُ شعور الأغلبية التي أشعلت الثورة بالـ (النقمة) و(الكراهية) لكل ما يتم تفنيدهُ من تجاوزاتها السافِرة ، ولكل تصنيفٍ يطال حُكمها تحت مصطلح (إنتهازي) و(أناني) و(إقصائي) أو كونهُ حالة من حالات التجبُّر والإعتداد المُتطرِّف بالذات والذي أنتج بدورهِ إحتقار (الآخر) والعمل على إزاحتهِ والتخلُص منهُ ومن أداء إستحقاقاته بشتى الطُرق وفي مقدمتها الطرق غير المشروعة ، أما ما يُحسب عليها من فرعيات في إطار سلبية الإنطباعات المسنودة بالحقائق الماثلة والأدلة الدامغة فهي كثيرة ولكن يأتي في مقدمتها إنتاج الفساد وتسويقهُ وحمايته بإحتكار الدين والسُلطة ، ترهيباً وإقلالاً من شأن المُحتجين والمُعارضين.
وبقدر إستطالة زمان وجود الحركة الإسلامية على سُدة الحكم في السودان عبر نظام إستبدادي وشمولي وإقصائي تمت محاولة (تزيينهُ) وهمياً بأشكال عُدة من التحالفات والإئتلافات المشبوهة ، إستطال وتزايد أيضاً وبنفس القدر حجم (البُغض) الشعبي لتجربة حكم الإخوان المسلمين وكل ما واكبها من جراحات وتعديات وخسائر وطنية ، وعلى الرغم من أن واجب الإيمان بالمسار الديموقراطي لا يُبيح محاكمة الآخرين على توجهاتهم الفكرية وإنتماءاتهم المنهجية والآيدلوجية ، إلا أن إنغماسهم في إرتعاشات شهوة السُلطة والجاه دفعتهم دون شعور إلى (خلط) وإدماج مؤسسة الدولة في مؤسسة التنظيم عبر إعمال مخطَّطات التمكين الإقصائية ، فأصبح من الطبيعي أن لا يُفرِّق عامة الناس ما بين الحركة الإسلامية والمنتمين إليها على سبيل الإعتقاد السياسي وبين (بعض) منسوبيها الذين أسَّسوا وقادوا دولة الطُغيان وإغتيال العدالة بسلاح (العُلوْ) على الآخرين بإحتكار الدين وإستعمال شعاراته كغطاء (مُقدَّس) يُبرِّر إنتهاكاتهم وتعدياتهم على كل ما هو عام وخاص.
ليتهم يتفَّهمون أن أمر عودتهم إلى الساحة السياسية و(تعديل) الإنطباعات السلبية لأغلبية الشعب السوداني عن منهجهم في معالجة قضية تداول السلطة في السودان ، سيحتاج إلى عشرات السنين ، فالأمر لن يكون كما كان قبل إنقلاب 89 مُجرَّد صراع بين اليسار واليمين أو منافسة بين الإسلاميين والشيوعيين ، فالصراع الآن تطوَّر ليكون بين جماعة الإسلام السياسي والشعب السوداني المُجرَّد من الإنتماءات السياسية والآيدلوجية بإعتباره المُتضرِّر الأول من ما إقترفوهُ طيلة ثلاثين عاماً من تعَدٍ وفجور ، الشعب السوداني وإن أصابهُ اليأس من حكومتهِ الإنتقالية فلن تكون الحركة الإسلامية وروافدها واحدة من خياراته ولا بدائله المُنتظره على الأقل في المدى القريب.. ليتهم يعقلون.