المتتبع لتاريخ الكيزان يقتنع تماماً أنهم لا يستطيعون العيش إلا في ظل العسكر منذ كبيرهم حسن البنا .. وحزب الإخوان الذي عاهد أول ما عاهد حكومة عبد الناصر العسكرية في ذلك التاريخ .
وهنا في السودان ستجدهم يركضون خلف العسكر، فعلوها مع النميري ثم مع البشير عندما قدموه للقيادة، ووقفوا خلفه ينهبون خيرات البلد باسم الدين والدين منهم براء .
كنا نظن -وبعض الظن إثم- أنهم تعلموا من دروس الماضي القريب والبعيد، ولكنهم لا ينسون شيئاً، ولا يتعلمون جديداً.
بدأت دعوات كتابهم من لدن الطيب مصطفى وتبعه الغاوون وهم يدعون الجيش بصريح العبارة للتدخل واستلام السلطة، عبر انقلاب عسكري، ويحرضون القوات المسلحة ليل نهار على التحرك، وإنهاء (الفوضي) كما يسمونه.
وحتى المظاهرة الهزيلة التي خرجت قبل يومين ذهبت إلى باحات القيادة العامة للجيش، وهم يرددون العبارات
نفسها، بل إن أحد المتظاهرين ظل يردد أمام أحد افراد الجيش أنهم أتوا إلى هنا أانكم طلبتم منا ذلك، وها نحن قد أتينا إليكم في عقر داركم، وعليكم تنفيذ وعدكم باستلام السلطة، وظل هذا المتظاهر يبكي بحرقة ويقول” (نحن ما عايزين مدنية نحن عايزين عسكرية)!
ثوار ديسمبر عندما ذهبوا إلى الاعتصام في القيادة لم يذهبوا لتقديم الدعوة للجيش لاستلام السلطة، لم يكن هذا هدفهم على الإطلاق، وإلا كانوا عادوا الى منازلهم عقب إعلان الجيش استلام السلطة في 11 ابريل .
هم ذهبوا إلى هناك للمطالبة بمدنية الدولة، ولتحقيق شعار الثورة الخالد حرية … سلام .. وعدالة .
ولم يبارحوا ساحة الاعتصام حتى بعد تكوين المجلس العسكري، وهم مصرون على مدنية الدولة. ولما ضاق العسكر ذرعاً بمطالبهم وبمواقفهم الثابتة، وإصرارهم وصبرهم اياماً وليالي أعملوا فيهم آلتهم العسكرية، وحصدوا أرواح الشباب في أبشع مجزرة في تاريخ الوطن .
ورغم المجزرة أيضاً لم يتوقف الشباب عن مطلبهم الأساسي إلى أن توجوا ثورتهم بمواكب الثلاثين من يونيو، التي هزت أركان العسكر، وبعدها رضخوا، ووقعوا الوثائق التي تحكم الفترة الانتقالية.
هذا هو الفرق بين مظاهراتكم الهزيلة التي تدعو الجيش إلى ااستلام السلطة، وثورة الشباب الحقيقية التي تطالب بمدنية الحكم.
وشباب ثورة ديسمبر يعلمون جيداً انهم لم ينالوا المدنية بالشكل الكامل الذي يريدونه، ولكنهم متأكدون أنهم وضعوا قدماً في أول الطريق، وهو طريق طويل ومليء بالعقبات والأشواك، ولكنهم وبإصرار يواصلون السير فيه وسيصلون إلى مبتغاهم في يوم من الايام القريبة .
شباب ثورة ديسمبر ورغم الصعاب ورغم الحرائق التي تشعلونها لن يتوقفوا عن السير .. سيصلون إلى مدنية الدولة، وسيتركونكم في مكانكم نفسه الذي ارتضيتموه لأنفسكم، وأنتم تلعقون أحذية العسكر .
مدنية الدولة ليست ضد العسكر مطلقاً، ولكنها تضع الجيش وبكل احترام في موقعه الصحيح، وهو الدفاع عن حدود الدولة، وحماية شعبها وليس الحكم.
ارتضينا بالمشاركة في الفترة الانتقالية، وهذه المشاركة فرضتها الظروف الموضوعية والمقنعة لكل ذي بصيرة، وستنتهي الفترة الانتقالية بكل خيرها وشرها، وسيعود الجيش إلى ممارسة واجباته الأساسية، وسيقود المدنيون هذا الوطن الجميل، وسنتغلب على كل مشاكلاتنا، بإذن الله، ونعيش في وطن حر معافي من كل أدران الكيزان.
حمى الله وطننا من الكورونا ومن لاعقي أحذية العسكر .