تمخض الاجتماع الثلاثي للشركاء ( المجلس السيادي ، مجلس الوزراء وقوى الحرية والتغيير ) الاسبوع الماضي عن مصفوفة أطلق عليها مصفوفة مهام المرحلة الانتقالية العاجلة والتي تضمنت اعلان تعيين الولاة المدنيين في ١٨ أبريل ، جاء السبت ١٨ أبريل ولم يتم الإعلان عن الولاة ، لتطالعنا الصحف اليوم بتصريح لرئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك يعلن فيه تأجيل تعيين الولاة لحين التشاور مع الجبهة الثورية !
هذه لم تكن المرة الاولى التي تبلع فيها الحكومة تصريحاتها ومصفوفاتها الخاصة بتعيين الولاة المدنيين، ففي ٢٧ فبراير صرح وزير الإعلام الاستاذ فيصل محمد صالح بأن تعيين الولاة سيكون ( خلال أسبوع ) ، وها هي الأسابيع تمضي والشهور ولم يتم تعيين الولاة بعد ، بل لم تظهر أي مؤشرات دالة على جدية تنفيذ ذلك ، رغم أن قوى الحرية و التغيير دفعت بعشرات المرشحين منذ امد بعيد لتولي حقائب الولاة ، ومنهم من ترك مهجره ومنهم من انشغل عن اعماله منتظرا لحظة الاعلان التي كلما قالوا غدا ، اظهر الغد ان الغد المذكور ليس هو .
الجميع يعلم أن سبب عدم تعيين الولاة هو الجبهة الثورية ، فهي تتمسك بنص اعلان جوبا الذي يقول ( إرجاء تكوين المجلس التشريعي وتعيين الولاة لحين الوصول إلى اتفاق السلام ) ، لا يمكن لأحد أن يلومها في اتخاذ هذا الموقف فهي بعد أن كانت شريكة في التغيير وجزء من قوى الحرية والتغيير أصبحت كانها طرف ثالث ، بل صار الشرخ بينها وبين قوى الحرية والتغيير أكبر من الذي بينها وبين المجلس السيادي والقوات المسلحة ، حدث ذلك نتيجة ممارسات غير سليمة داخل الحرية والتغيير ، تم فيها اختطاف القرار المركزي من قبل بعض الكيانات وإقصاء عضوية الجبهة الثورية من التفاوض ومن القرارات المصيرية ، وها هي الحرية والتغيير والشعب بكامله يدفع ثمن تلك الأخطاء البسيطة التي لم تستوعب الجبهة الثورية بما يجعلها شريكة حقيقية ، وكلنا يذكر الطريقة المهينة التي تم بها قهر ياسر عرمان ومبارك اردول وخميس جلاب وترحيلهم معصوبي الاعين على طائرة من الخرطوم إلى جوبا بأمر المجلس العسكري .
كذلك لا يمكن تبرئة الجبهة الثورية من التسبب في هذا التأخير ، فهي ترفض تعيين الولاة بلا أي سبب موضوعي سوى الخوف من سيطرة الأحزاب السياسية على مناصب ولاة الولايات وعدم التنازل لهم مستقبلا، وهو خوف غير مبرر ، فالجميع يعلم أن بنود اتفاقية السلام سوف تسود على ما غيرها ، وبالتالي اذا نص اتفاق الإسلام على تكوين حكومة جديدة فإن هذا سيشمل الولاة بكل تأكيد ، هذا غير ما رشح عن التوافق في المفاوضات بين الحكومة الانتقالية و حركات الكفاح المسلح بالعودة إلى نظام الأقاليم ، فاذا كان هذا هو الحال فلماذا تخاف الجبهة الثورية من تعيين ولاة مدنيين الآن ؟ فهم بلا تأكيد سوف يكونون ولاة مؤقتين ، حالما يوقع اتفاق السلام سيتم اعادة الاقاليم والغاء الولايات وتعيين حكام أقاليم جدد تشارك في تسميتهم حركات الكفاح المسلح جميعا .
بين إقدام الحكومة وتراجعها المتكرر عن تعيين الولاة المدنيين ، وبين تمترس الجبهة الثورية في ساتر نصوص اعلان جوبا ، تظل الولايات في قبضة حكام عسكريين جاءت بهم صدفة وجودهم قادة للجيوش بالولايات ليكونوا قادتها السياسيين في مرحلة حساسة وخطيرة من تاريخ بلادنا ، مما أضعف نشاط التغيير في الولايات وجعلها بؤر ملتهبة للخلافات ، وهو ما يجعلنا نعيد السؤال القديم المكرر : هل ستخاطر الحكومة الانتقالية وحاضنتها السياسية قحت بتعيين الولاة المدنيين بدون موافقة الجبهة الثورية وتعريض عملية السلام للخطر ؟ أم سيستمرون في انتظار توقيع اتفاقية السلام تاركين الولايات غارقة في الأزمات المتلاحقة والمواكب ؟
sondy25@gmail.com