أول علاقة لي بالفسيخ تعود إلى العام 1975م. كنا وقتها طلابا نسكن البركس، فعلمت من أحد الأصدقاء المقربين أن خالته وعدته ببرطمان فسيخ صباح الجمعة. وأنا بين الطامع والقرفان، حضر الفسيخ في موعده تماماً.
التهمت الفسيخ واحتضنته كأني ولدت معه في يوم واحد من رحم واحد. أحببته جداً، ومن يومها أصبحت من عشاقه.
مرة كنت مسافراً إلى أهلي، وعادة أسافر عن طريق النيل الأبيض. في مشرع أبي حبيرة اشتريت جالونين فسيخ، قلت واحد لأهلي، والثاني لأسرتي الصغيرة عندما أعود إليهم .
أهلي لا يعرفون الفسيخ ، فهم يسكنون بين النيلين لا بعيدين ولا قريبين منهما. ولأنها أول مرة يدخل فيها الفسيخ إلى قريتنا فقد تولت المدام تجهيزه لمعرفتها التامة به. قدمناه في صينية الفطور التي كانت تحوي الشية والمرارة والبصل المفقّش، لكن الفسيخ كان سيد المائدة.
وبعيد منتصف الأكل سألني خالي عبد الله ود أبو الجاك : إتّ ده شنو؟ قلت : فسيخ يا خال. فسيخ شنو؟ قلت: هو سمك مملح. قال: والله عفن بالحيل، بس سبحان الله حلو. وتخاطفه الناس، حتى أن خالي نهرهم: ها جنيات، جنيتو وللا شنو
وفي وزارة المالية، كان الصديق عز الدين عبد السلام قد اكتشف سراً عظيماً، وهو أن البوفيه التابع لدار الهاتف يقدم وجبة فسيخ فاخرة . فكنا كثيرًا ما نفطر هناك على الفسيخ حاف بدون أي إضافات. ومرة افتقدت عز الدين وظننته غاب ذاك الصباح . واشتدت حالة البحث عن عزو عندما اقترب وقت الفطور . سألت الناس كلهم ، لكن واحداً فقط قادني إلى مكان عز الدين الذي كان ينام داخل غرفة لا يشغلها أحد. أيقظته فبدا لي منهكاً، وعرفت منه أنه سهر البارحة،ب صحبة كل مستلزمات السهر، وأنه في حاجة إلى مزيد من النوم . قلت له نريد الفطور. قال : عليك الله يا محمد جيب لي معاك سندوتش فسيخ.
لا أستطيع احتمال منزلٍ خالٍ من الفسيخ . أشتريه من أماكن عديدة ، لكن الأطيب هو فسيخ زوبا، وهي نقادية من ابوروف. نأتيها أنا والمدام، فتكرمنا، وتمنحنا بسعر طيب. لكن في آخر مرة تحركت المدام مع أخيها، وذهبوا إلى بحري ليتسوقوا باعتبار أن سوق بحري هو الأطيب والأغنى والأرخص. ومن هناك اشتروا الفسيخ، واشتروا معه الدكوة، والشطة الخضراء، واكتملت الخلطة، وتلاها البخور طبعاً.
لاحظت أن أهل الشام ومصر يصنعون الخضار المملح، أي المخلل ويسميه البعض ( طرشي). والغريب أنني سمعت حبوبتي تقول عن كل ما يتوفر وفرة زائدة : رااااااقد طرشي. لكني لا أعلم إن كانت تقصد المخلل أم لا، ولم يتسن لي أن أسألها. لكن من هو رائد الفسيخ؟ يبدو لي أننا أصحاب الريادة. وقد لاحظت أن الإخوة المصريين يتناولون الفسيخ بطريقة مختلفة، ولم تعجبني، إنهم يرفعونه على نار خفيفة، ثم يتناولونه كأنه نيء .
ما في زول يجي يقول لي اعزمني فسيخ، فكما قال الحاج للذي نبهه أن هناك رجلاً يسلم عليه أثناء انهماكه في أكل البطيخ: الزول ده ما قاصد السلام، الزول ده قاصد البطيخ، وأنا البطيخ ده ما بدّي منّو زول.