بسم الله الرحمن الرحيم
…هذه السوح ، لا تقرر أن القراءة تتنافى والهواية ، ولا أعني نفيَ أن تُهوى القراءة وتُحَب ، إنما بقدر ذلك أرمي أن أقول : أن القراءة لا تقف فقط أن تكون مجرد هواية فحسب ، بل هي أكثر وأعمق ، هذا ليس معناه ألا تَهوي المجتمعات القراءة ،بل هوايتها بمعنى الحب شئ مطلوب ،لكن شتان بين أن تُهوَى ضمن الإحترافية ، وأن تُهوى هواية لا تتعدى معني ألهواية ، عليه فأنني هنا أمام توضيح الفرق في المقارنة بين لفظَي : الهواية..والإحترافية..فالمعاجم اللغوية العربية ، تؤسس لمعنى الهواية علي اْتفاق شيءٍ أصيل فيها هو أساس الفراغ ، فالهواية بحسب معجم المعاني الجامع ،هي : اللعب أو العمل المحبوب بشغف من قبل المرء ويقضي أوقات فراغه في مزاولته دون أن يحترفه . إذن تَوفَرَ شرط أن يُملأ الفراغ بشغل من الأشغال أو عمل منه أو غيره ذلك من قول أو فعل، وقصْر ذلك علي وقت الفراغ فقط ، فأن هذا الذي يُهوى بتحقيق شرط الفراغ إنما هو ليس أساساً ، بل هو نفسه قابل للتغيير والتبديل في أي طاريء حصل ولو كان أقل أهميةً، لكن على سبيل التقابل فأن الإحترافية أو ألأساسية أو الأصل أو الأهمية، إنما ذلك نقيضاً لما دخل في حيز الفراغ الهِوائي فيما أُطلقَ عليه هوايةً..وبالاختصار فأن ما لا يتعدى الهواية فقط ومشروط بوقت الفراغ فأنه ليس إحترافياً ولا أساسياً ولا يشكل أصلاً تُبنى عليه خطط حياة أو ثقافة مجتمع أو حضارة أمة ولا تتأسس على نهجه حياة المرء في دنياه أو أخراه ، إنما ذلك يقوم على نقيضه بالتمام..العلاّمة الموسوعي راغب السرجاني يحاضر في القراءة ساعة
بتمامها ، فمن ماقاله بالأهم : ( …جبريل عليه السلام أول كلمة قالها للنبي عليه الصلاة والسلام هي إقرأ…من جملة ملايين الكلمات..بدأ حديثه مع الرسول صلي الله عليه وسلم هذا الحديث الذي سيتصل لمدة ٢٣ سنوات…يبدأ معه بكلمة إقرأ…لماذا لأنها كلمة ستحمل مفتاح حياة أمة بأكملها…وسيدنا محمد لم يكن يقرأ…لذلك يقول : ما أنا بقاريء فيضمه جبريل ضمة قوية حتي بلغ منه الجهد ثم يرسله ..ثلاثا…ثم في الأخيرة يقول له ( إقرأ باسم ربك الذي خلق …) قبل أن يقول له أنه ملك مرسل وأنك رسول الله و أن هذا قرآن وأن ديناً جديداً سينزل..يقول له إقرأ وبصيغة الأمر…) ثم يتسائل الدكتور راغب 🙁 ..ممكن تكون أو ل كلمة في القرآن نزولاً هي كلمة تتكلم عن هواية قد يحبها البعض ويكرها البعض؟ مستحيل…القرآن به أكثر من ٧٧ الف كلمة من كل هذا أول كلمة هي إقرأ ، وآلاف الأوامر (مثل أقم الصلاة..آتوا الزكاة…جاهدوا في سبيل الله…أنفقوا ممارزقناكم…توبوا إلى الله…أول خمس آيات تتكلم عن موضوع القراءة وكلمة إقرأ تكررت مرتين في أول خمس آيات من القرآن..( الذي علم بالقلم..حدد القلم ليكون المقصود الشيء المكتوب بالقلم وهو القراءة ..).
ألتعلم غاية وسيلته القراءة..لكن له وسائل أخرى غيرها..مثل السماع والرؤية والخبرة والتجربة…لكن الوسيلة الأعظم هي التي جاءت في قول جبريل : إقرأ…وهذا يعني انه مهما تجددت وسائل التعلم فأن القراءة هي أهم وسائله..
في بدر، كان أسير المشركين ليفدي نفسه عليه أن يعلم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة .زيد بن ثابت قُدِّم على غيره من الصحابة وصار ملازماً وملاصقاً للنبي لأنه يتقن القراءة وصار كاتباً للوحي ومترجماً للسريانية والعبرية وهو اْبن ١٣ سنة ..قُدم على كثير من الصحابة لأجل أنه يقرأ ويكتب..
عند علماء النفس والإدراك والذاكرة..فأن الذاكرة على أصناف ثلاث : ١/ ألذاكرة قصيرة المدى..٢/ ذاكرة متوسطة المدى..٣/ ذاكرة بعيدة المدى….الأولي تحتفظ بالمعلومة لزمن لا يتعدى الساعات..الثانية..تحتفظ بالمعلومة لزمن أطول نسبياً ، بينما طويلة المدى تصل فترة حفظ المعلومة فيها لمدة خمسين عاماً ، فقراءة الهواية أو هواية القراءة تكون في ذاكرة الصنف قصير المدى ، بينما القراءة المحترفة تختزن في الصنفين الآخرين..وخاصة بعيد المدى…
…هذا الطرح في أعلى الأسطر يثبت أن القراءة المتأنية التي تشترط الوقت الأهم في جدول الشخص ومن ثم أولويات الأمة المدركة بأهمية العلم ووسائله القوية في عالم يتسيده الذي يتسيد العلم ساحته ووقته..فأن مثل هذه القراءة ليست هي إلا أساساً وإحترافاً ..وبالتالي فأن هواية فقط..هي جزءاً منها وليس كلها هواية..لأن الأساس والأصل لا يُبنى إلا على حب أعلى وتَعلُقٍ أدوم وليس بهواية كلية في نفسها ، تنتهز الفراغ من الوقت…
…لكل شيء إذا ماتم نقصان..