ضجت الأوساط السياسية والاسافير عقب اعلان حزب الامة موقفه من مجريات الأحداث وتقديمه طلباً مرفقاً معه مذكرة ” نحو عقد اجتماعي جديد ” لقوي الحرية والتغيير مطالباً مناقشتها والرد عليها في ظرف اسبوعين مع تجميد عضويته في هياكل الحرية والتغيير إلي حين الاستجابة لتلك المذكرة ،،
وفي مساء اليوم نفسه أصدر الحزب بياناً قوي اللهجة أوضح فيه دوره المفصلي في ثورة ديسمبر الظافرة وتوظيف خبراته المتراكمة في جمع كل القوي السياسية في ميلاد اعلان الحرية والتغيير ورأي أن تكون الفترة الانتقالية بقيادة خبراء مستقلين ، وكان هذا هو مطلب الشارع الذي انتصر علي النظام البائد ،ولكنه راي ان حلفائه خاصة قوي الإجماع الوطني ( اليسار) حرصوا علي محاصصات حزبية تمكنهم من البقاء احياء علي الساحة السياسية بعد ان اندثرت حواضنهم الخارجية التي اتوا منها مستغلين في ذلك وجودهم في كتلة واحدة خفيفة الوزن جماهيراً ذات حلاقيم كبيرة ، وقادت تلك المحاصصات الغبية الي نتائج كارثية اصابت جماهير الثورة بالاحباط ، و كادت تلك الممارسات الغير مدروسة العواقب ان تجهز علي الثورة في ايامها الاولي لولا وقوف حزب الامة بصلابة وحنكة في وجه كل المخططات التي كان يحيكها أعداء الثورة للقضاء عليها في مهدها ، فقد منح وقوف حزب الامة بجانب الثورة حصانة شعبية وسياسية ووفر لها الغطاء الإقليمي والدولي نسبة لتمتع الحزب بعلاقات استراتيجية في المحيطين الاقليمي والدولي، وهذا كان واضحاً وجلياً عند بداية تشكيل الحكومة إذ كانت الدولة في حالة انهيار اقتصادي تام فهبت المملكة العربية السعودية والإمارات لنجدتها ودعمها بالمحروقات والدقيق وبايداع الاموال في خزينة بنك السودان، ومن المفارقات في هذا الامر انبري منسوبو اليسار في الهجوم علي السعودية والإمارات دون مبررات موضوعية ورددوا شعاراتهم البالية التي اكل الدهر عليها وشرب ، ظنا منهم أن ذلك الدعم يصب في خانة تقوية حزب الامة شريكهم في التحالف، وقد راي العقلاء في الوسط السياسي أن هذه تصرفات حمقاء لا يقوم بها إلي مراهقين وسيدفع السودان ثمنها علي المدي القريب والبعيد ،
وعدد حزب الامة في بيانه اوجه الفشل الذي انتجته تصرفات حلفائه في قوي الحرية والتغيير متمثلا في :
*اضطراب موقف القيادة السياسية لقوي الحرية والتغيير
- الاختلاف حول الملف الاقتصادي لاسباب سياسية بحتة لا علاقة لها بالاقتصاد والمتاجرة بالمواقف في هذا الجانب ،،،
- الفشل في ملف السلام وعدم وضع إستراتيجية ومنهجية محددة مما فتح المجال للمزايدات من جانب الحركات المسلحة وهذا ما ذكره وزير الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة في احدي المؤتمرات،،
ومضى بيان حزب الامة في مطالبته باستحقاقات واجبة النفاذ والا سيتخذ مواقف من جانبه يري انها هي المخرج والملاذ الأمن للثورة وتتمثل مطالبه في :
*تكوين المفوضيات التي نصت عليها الوثيقة الدستورية.
*وضع منهجيات محددة لعملية السلام التي تجري في جوبا بعيدا عن اي طموحات واجندات حزبية. - الإسراع في تكوين هياكل السلطة المتبقية بصورة متوازنة .
- عقد المؤتمر الاقتصادي تحت كل الظروف وترك المناورات السياسية في هذا الجاتب
- جدولة انتخابات التحول الديمقراطي ، وهذه النقطة لاتاتي احزاب اليسار علي ذكرها علي الاطلاق وربما اصبحت فوبيا بالنسبة لها ولا تعمل لها في برامجها ، فقد صبت جل جهدها للاغتنام والانتقام في الفترة الانتقالية .
وختم حزب الامة بيانه بأنه يدعو لمؤتمر تاسيسي وعقد اجتماعي جديد لقوي الحرية والتغيير داخل وخارج هياكلها ، فإذا استجاب حلفاؤه سيكون خير وبركة وان لم يستجيبوا فهددهم انه سيعمل بطريقته الخاصة لتحقيق التطوير والاصلاح المنشود ،، هكذا كان بيان حزب الامة الذي أعقب قرار التجميد،،
بالرجوع لما ذكرناه أعلاه عن الضجة التي صاحبت قرار وبيان حزب الامة فقد تباينت الردود واختلفت باختلاف وجهتها ، هذاةالقرار وجد الارتياح التام من منسوبي حزب الامة لعدة أسباب ،،،
اولها انهم يرون أن حزبهم قدم لهذه الثورة مالم يقدمه اي مكون سياسي اخر ويرجع الفضل اليه في توحيد وتجميع الصفوف في وجه النظام البائد منذ مراحله الاولي ابتداءً من التجمع الوطني الديمقراطي واستطاع أن يضم اليه الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق مرورا في توحيد الحركات المسلحة في وجه النظام نفسه الذي كان يسوق للشعب السوداني أن هذه الحركات ذات توجه عنصري وانفصالي عبر نداء السودان واستماع حزب الامة بذلك أن يمنحها الشرعية في نضالها ضده مما ازعجه كثيراً ودفع به اتهام رئيس الحزب بالخيانة ووجه له تهماً تصل عقوبتها الإعدام وانتهاءا بتوحيد كل الكيانات السياسية في وجهه باعلان قوي الحرية والتغيير مما عجل بسقوط ، ولا تستطيع اي قوي سياسية فعل ذلك غير حزب الامة وذلك للخبرات التراكمية التي اكتسبتها قيادته ممثلة في الإمام الصادق المهدي ، كذلك يري انصار الحزب أن الطواف الذي أجراه الإمام الصادق في ولايات السودان المختلفة والحشود الجماهيرية الكبيرة كانت بمثابة شرعية شعبية للحكومة الانتقالية وهذه الشرعية الشعبية تفتقدها قوي اليسار وكان يجب أن يكافا عليها الحزب بدلاً عن المناكفات التي كان يتعرض لها من حلفائه ،، كذلك يري انصار حزب الامة أن حزبهم ساهم عبر علاقاته الخارجية في دعم الحكومة الانتقالية اقتصادياً وكذلك حشد الدعم السياسي الاقليمي والدولي لتلك الحكومة فيما انغمس حلفاؤه في التكالب علي المناصب ومحاولة إبعاد منسوبي حزب الامة حتي ادي بهم ذلك للاستعانة بفلول النظام السابق واستمالتهم خاصة في الولايات لعدم وجود كوادر كافية لهم مستفيدين في ذلك من الفراغ الموجود بالولايات .
كل تلك الاسباب وغيرها جعلت انصار حزب الامة يرحبون بقراراه ويعتبرونه شافي لغليهم من ممارسات احزاب اليسار التي لم تقدم شئيا للثورة مقابل ماقدمه حزبهم.
اما ردة فعل اليسار توحي انهم أمام أمرين احلاهما مر ، فأما الاستجابة لمطالب حزب الامة والعبور بالفترة الانتقالية بسلام أو الاستمرار في فهلوتهم ومحاولة التهرب من هذه الاستحقاقات، ولكن يعلمون علم اليقين أن العواقب قد تفقدهم كل ماحازوا عليه من غير وجه حق ويصبح المستقبل بالنسبة لهم مجهول الهوية وسيندمون علي ذلك وساعتها لاينفع الندم ، وهذا مايجب ان يفكر به العقلاء منهم ، ولكن ماظهر علي السطح في وسائل التواصل الاجتماعي أن هناك جقلبة وهستيريا غير مبررة لاتبشر بخير.
اما ردة فعل الفلول كانت مضطربة من ناحية يظهرون الشماتة في حقت ويعتبرون زوال ورفع الحرج عنهم حين كانوا يصفونها باوصاف ساذجة بانها علمانية وملحدة وان الشارع نزع عنها الشرعية ، ومن جانب آخر يتخوفون من خطوة حزب الامة بانها ستجعل قحت اكثر قوة وتنظيما مما يحقق اهداف الثورة كاملة وعلي راسها السلام .
يري المراقبون أن قرار حزب الامة عبارة عن رج لزجاجة الدواء حتي يصبح متجانس التركيب وذات مفعول حقيقي .