إن النبات الذي ينبت في أي مكان دون رعاية من أحد أو سقاية أو زراعة يقال عنه بالنبات الذي يسكنه الشيطان.. أو النبت الشيطاني، فلا أصل له ولا جذور.. ينبت عشوائياً ويكثر وينتشر.. ولا أبالغ إن قلت بإنه يشبه الكيزان تماماً.. فهذا التنظيم الإرهابي الذي انقلب على الحكم غادراً غاصباً كاذباً بشعاراتٍ تناقض أفعاله تماماً في العام 1989م وأذاقنا الويلات وضيّق علينا سبل العيش حتى هجَّر خيرة العقول إلى الخارج دون ذنبٍ جنوه سوى أنهم لا ينتمون إليه.. وحقيقٌ على العالِم العلّامة والأديب القامة البروفيسور الطيب صالح أن يتساءل: من أين أتى هؤلاء؟!
لن أتمكن مهما تبحّرت في حصر ما اقترف الكيزان من جرائم وما أفسدوه في أرضنا بغير حق.. وتكفيهم فقط عقوبة جريمة واحدة، وهي تشويه صورة الإسلام ذلك الدين القيّم الذي كرّّم الإنسان وجعله خليفة اللّٰه في الأرض.. فجاؤوا يرفعون شعاراتٍ إسلامية برّاقة لدغدغة مشاعر مجتمع مسلم بفطرته.. ونهجهم لا يمت للإسلام بشيء بل أقرب إلى سياسات الصهاينة الإستعمارية.. فبدؤوا بتشريد الأسر وإقالة كفاءات موظفي الخدمة المدنية ومؤسسات الدولة تحت مسمى (الصالح العام) وهو في الحقيقة (صالحٌ خاص) لتمكين منتسبي التنظيم والإمساك بكافة مفاصل الدولة، ومن ثم تجويع عامة الشعب والتضييق على معايشهم حتى ينشغلوا باللهث وراء لقمة العيش.. ويخلو لهم الجو لتنفيذ مخططاتهم الشيطانية دون حسيبٍ أو رقيب.
إننا الآن وقد بلغنا رمضان نستعيد ذكرياتٍ أليمة صعقتنا خلال أيام هذا الشهر الفضيل لم يكن أحد يتوقعها من كافر .. فحرمة شهر الغفران لم تردع إخوان الشيطان من إعدام 28 ضابطاً وإخفاء جثثهم عن أهلهم وذويهم.. ثم توالت الأحداث بإلزام الشباب على أداء الخدمة العسكرية وتجنيدهم للزج بهم في أتون حربٍ جهاديةٍ مفتعلة في الجنوب بعد أنه حولوها من قضية تهميش وتقسيم للثروة إلى حرب دينية بين مسيحيين ومسلمين، ونسجوا حولها الأوهام والخرافات وأصبحوا يزفون قتلانا للجنة وكأنهم امتلكوا مفاتيحها.. فلا هم حرّروا الجنوب ولا هم استعادوا شهداء الوطن وشبابه الغض البرئ (وقد انفصل جنوبنا لاحقاً خلال عهدهم الأسود).. ثم بدأت عسكرة الشعب تارةً باسم الدفاع الشعبي وتارة بالخدمة الإلزامية وغيرها من المعسكرات الوهمية والتي كانت أساساً مصممة لصالح التنظيمات الإرهابية المختلفة، وغسل عقول الشباب المسلم بالفطرة فجعلوا السودان حاضنة للإرهاب العالمي والأفكار الملوثة.. ولم يكتفوا بهذا فقط بل استضافوا زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي أسامة بن لادن وبدؤوا في تصدير طلاب الجامعات لا سيما كلية الطب التابعة للمجرم مأمون حميدة لداعش وجبهة النصرة.
أخيراً.. هذا النبت الشيطاني بكافة مكوناته ومسمياته المختلفة ارتكب من الفظاعات ما لن تُنسى.. فقد قتل أبناءنا الذين خرجوا في مظاهراتٍ سلمية في العام 2013م ليطالبوا بأبسط حقوقهم بوصفهم مواطني هذا البلد.. وتكررت عمليات القتل والقنص والدهس والتعذيب (حتى الموت في المعتقلات) لتأتي مجزرة فض الإعتصام المروّعة أمام مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة في رمضان الماضي وأمام مرأى ومسمع من العالم أجمع.. فجعلت الغصّة تقف في حلوقنا ونحن نبكي أبناءنا وبناتنا الذين فاض بهم الكيل وضاقوا ذرعاً بالعيش بذلةٍ تحت وطأة هؤلاء الطغاة ورغم أنهم عانوا كلاجئين في أوطانهم إلاّ أنهم عرفوا كيف يقهروا البندقية والرصاص بصدور عارية؛ لأنهم أصحاب حقٍ أصيل أمام حكم جائر مستبد وظلمٍ بائن مستمر..
ومع بزوغ فجر رمضان المعظم دعونا نترحَّم على أرواح شهدائنا الأبرار منذ عام 1989م وحتى الزوال التام لدولة الأنجاس السرطانية الطفيلية قاتلها اللّٰه، سائلين ربنا سبحانه وتعالى أن يبيد تلك البذور السامة التي أنبتت هذا النبت الشيطاني الكيزاني الإرهابي بجميع فصائله ومسمياته من تنظيم القاعدة.. أو جبهة النصرة.. أو داعش.. أو المؤتمر الوطني أو المؤتمر الشعبي أو ما شابههم.. وسيحتفظ التاريخ بكل سوءٍ حاق بأهل هذا البلد الطيب الموجوع بسببهم.. ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّٰه العلي العظيم.