لكل إنسان يتمتع بسلطة من أن يميل الى الإساءة في إاستعمالها، وهو يظل متجهاً نحو الإساءة الى أن يجد حدوداً أمامه!
الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو
بعد كلام مونتسكيو دة، حسمت معظم الدول الدستورية المعاصرة معضلة جمع السلطات في كيان أو هيئة واحدة ولجأت إلى مفهوم تقسيم السلطات إلى تلات سلطات، منهم السلطة التشريعية!
السلطة التشريعية عندها ٣ وظائف أساسية تقوم بها:
• وظيفة تشريعية.
• وظيفة مالية.
• وظيفة سياسية.
تتلخص المهمة التشريعية في سَن التشريعات لتنظم الحياة العامة في المجتمع في كل المجالات .. أما في الوظيفة المالية فتنحصر – ولا تقتصر – على اعتماد الميزانية العامة، والموافقة على فرض الضرائب الخ.
أما الوظيفة السياسية فهي الضمانة الأساسية لخضوع الدولة لسيادة القانون، بمعنى أنه السلطة التنفيذية وتكون خاضعة في ممارسة وظائفها للسلطة التشريعية، ولا تستطيع أن تتصرف إلاّ بموافقة السلطة التشريعية .. وبالتالي السلطة التشريعية تقوم بمراقبة الأداء الحكومي وتوجيهه بما يخدم الشعب في تحقيق المساءلة والشفافية .. ويمكن أن تسحب منها الثقة لو استدعى الأمر، وهنا تكمن قوة السلطة التشريعية!
إذن .. السلطة التشريعية تمثل من؟!!
هناك حالتان هنا:
▪︎ لو كانت السلطة التشريعية أتت (بالتعيين) فالاحتمال الأكبر أنها تمثل الجهة التي عينتها.. ومن ثم، يمكن أن تكون واجهة لنظام سياسي/حزب / تحالف حاكم، ويتم تحريكها ميكانيكياً من الجهة المعينة، وهناك احتمال كبير أن يتحول نوابها (إلى نواب إشارة) كما كان الحال في برلمان المخلوع البشير.
▪︎ أما لو أن السلطة جاءت بانتخابات حقيقية، فهي هنا تمثل إرادة الشعب الذي انتخبها.
التشريع مِلك الشعب، والمجلس التشريعي مُفوَّض (انتخابياً وشعبياً) لتمثيل الشعب، لكن في ظل المرحلة الانتقالية يبدو انتخاب مجلس تشريعي فيه استحالة أو عدم واقعية، وفي الوقت نفسه، فإن تعيين مجلس تشريعي (غير منتخب) يعني أنه لن يمثل الشعب ولا السيادة الشعبية، وهذه معضلة، لكن طالما أنها بقت ضرورة واقعية، فالحل الوحيد لضمان تشريعات تمثل الشعب هو أن يتم تقليص وتحديد وضبط صلاحيات وسلطات المجلس التشريعي باختصاصات حصرية تتناسب مع آلية تعيينه، وطبيعة المرحلة الإنتقالية.
يبقى من الضروري حصر اختصاص المجلس التشريعي (المُعيَّن) في “المرحلة الانتقالية” على مجموعة من القوانين الضرورية حتى نتجاوز الماضي بكل ويلاته، منها قوانين الانتخاب (للجمعية التأسيسية – البرلمان – الرئيس) والقوانين المتعارضة مع حقوق الإنسان، وقوانين التجارة والعملات والمشروعات التنموية والقوانين اللازمة والضرورية لعبور المرحلة الانتقالية.
تنقسم التشريعات عموماً إلى تشريعات تنموية وتشريعات غير تنموية .. البيئة السياسية السودانية في تاريخها “المظلم” ركزت في التشريعات غير التنموية، وكان لذلك أثر سلبي في المواطن؛ لأن التشريعات غير التنموية بعيدة كل البعد عن احتياجات المواطن الضرورية.
البرلمان المعيَّن الذي لا بمثل سلطة الشعب في الفترة الانتقالية يفترض أن يركز في تشريعات تنموية صرفة تنحصر في قوانين تمس صميم مشكلات المواطن، مثل: انخفاض الدخل القومي، ووجود ثروات غير مستغلة، وسوء توزيع الدخل القومي، وسوء التشريع الضريبي، وضعف التكنولوجيا الصناعية، والبطالة، وارتفاع نسبة الأمية، وانخفاض مستوى التعليم، وظاهرة عمل الأطفال الخ..
ولا يركز هذا البرلمان في تشريعات غير تنموية من شاكلة علمانية / شريعة الدولة .. ومن ثم، يفترض أن تكون التشريعات محورها المواطن، وليس العكس، ويكون اهتمام المجلس التشريعي منصباً في الموضوعات المذكورة سلفاً بدلاً من قصة الصراع الجدلي حول العلمانية أو الشريعة، وذلك إلى أن تأتي سلطة تشريعية (منتخبة)، وتمثل صوت الشعب، فبالتأكيد سيكون دور المجلس التشريعي الانتقالي متوائماً مع دوره في تقويم الحكومة الإنتقالية ومساعدتها على إنجاز مهامها الانتقالية بنجاح، وبذلك ستساعد على تغيير البيئة السياسية القديمة والتقليدية التي ورثناها من زمن الاستعمار!
نحتاج إلى أن نرجع للتاريخ، ونحلل جذور وأسباب الأزمات والانقلابات. وإذا لم نتنبه إلى هذه الحفرة، فمعنى ذلك الاستعداد لصراعات أيديولوجية سترجعنا -بالتأكيد- إلي الانقلابات بالذات، وليتنا نتذكر أن التشريع كان عاملاً أصيلاً من أهم عوامل الانقلابات في تاريخ السودان منذ الاستقلال.