تعرف يا دكتور أكرم أنا كنت دائما أقول أن شعبي وللأسف شعبي لابد أن يحكمه ديكتاتور عادل. لكن هل يعقل أن يكون الديكتاتور عادلاً ؟ ودائما لا يصح إلا الصحيح ، وهذا الشعب الطيب الكريم يستحق أن يُسلك به إلى الطريق القويم ، لكنه يحتاج وقتا، وجهدا، ويلزمه الكثير من الكفاح والتضحيات ليصبح شعبا يقوده الحق ويقوده الضمير وتنتفي عنه الأنانية .
دكتور أكرم أنت أكبر مراهن على وعي الشعب ، لكنك للأسف خُذلت ، كما خُذل الذين من قبلك. فالذين باعوا ضمائرهم ، باعوا الدقيق المدعوم ، وباعوا الوقود . وباعوا المواد الغذائية ، وهرّبوا الذهب . والذين أرادوا الحصاد لأنفسهم وقفوا ألف أحمر في طريق السلام ، وعرقلوا مسيرة الثورة . لذا ما أردتك أن تحدثهم عمّا تقدمونه لهم في الحجر ، لأنهم ببساطة سيقولون أننا سنقدم لأنفسنا أفضل من ذلك إذا حجرنا أنفسنا في دورنا وبين أهلينا .
وينسون أن المريض منهم سيصبح مشروع إصابة لعدد غير محدود من أهله ومواطنيه . لو أنّ وعيهم يقودهم إلى الالتزام بالبقاء في بيوتهم ، ولو أنه يقودهم إلى حكمة الأجداد فنظفوا وطهروا بيئتهم ولاطلقوا بخور القرض واللبان الضكر ثلاث مرات في اليوم حتى تصبح سماء الخرطوم سحابة من بخور .
دكتور أكرم ، أنت تريد مخاطبة الناس بشفافية، وتريد أن تصدقهم في كل كلمة ، وتريد أن تحدثهم بلغتهم ليفهموك ويلتزموا لك حتى لا يحتج محتج بأنه لم يفهمك . لكنهم للأسف مدّوا لك ألسنتهم ، وهم لا يعلمون أنهم يمدونها لأنفسهم . وبعد أن فهموا قراراتك وعرفوا توجيهاتك قالوا لبعضهم أن الرجل مسيس وأنه يسعى لتمرير الفعل السياسي عبر التوجيه الصحي .
وعودا على بدء ، يا دكتور اكرم ، نادى منادي نسيبي الكبير السلطان علي دينار في مشائخ سلطنته ، وما أكثرهم ، وما أعلمهم. ولما استجابوا للنداء وحضروا أمام السلطان الآمر ، انحنوا أمامه وقالوا لبيك . سألهم : ماذا تصلّون ، وكيف تقرأون ، ولمن ترفعون أيديكم ؟ قالوا لله . قال فكيف توقّف المطر وأصبحت الدنيا جافة لا خضرة فيها ولا يشرب منها طير ولا حيوان ولا إنسان ؟ فأحنوا جباههم خجلا، ولم يفتح الله عليهم بكلمة . فقال السلطان : أنا خارج للقنيص ، وراجع مع المغيرب ، ولو رجعت لقيت الأرض ما روت سأرويها بدمكم . وأمرهم بالبقاء في مكان اجتماعه بهم ، فبقوا ، وركب جواده ، ثم سار إلى القنيص .
وبعد العصر وقبل المغيب عاد السلطان إلى فاشره ، وقبل أن يدخلها وعلى مسافة منها كان الماء يشكّل حزاما فوق أرض السلطنة . ودخل السلطان الفاشر وأرجل فرسه مبتلة بالماء حتى فوق الركبة وابتل صدر الجواد.
بالسلطان يا دكتور أكرم تستطيع أن تلزمهم بالبقاء في بيوتهم ، لا يخرج منها حتى صوتهم ، حتى أنفاسهم. بالسلطان تستطيع أن تبقيهم في بيوتهم دون أن يصيبهم أذى ، وهذا ذروة المراد. وأعرف كيف منع أهل السلطان سلطانهم ، وأرخوا الحبل للتفلت ، وتماهوا معه ، فعمّ الطاعون واشتدّ البلاء ، فبدأتم يا سيدي الوزير الهمام وكأنكم وحدكم تحملون هم الأمة جمعاء .
قل للسيد رئيس الوزراء، ولكوكبته ، وللسيادة كلهم ، أن الأمر لن يخرجكم ولن يخرج البلاد من أزمتها إذا سار الحال هكذا . وأن يسير الحال هكذا فعلى بلادنا السلام . قل لهم أن يستخدموا السلطان وإن بدت في ذلك شدّة . ولا تراهن إلا على السلطان ، والسلطان وحده ، فقد بلغت حدود وعيهم ، وعرفت عمقه.