من المعلوم ان الاقتصاد الكلي لاي دوله يسير وفق توازن داخلي دقيق يعكس اداء القطاعات التي يتكون منها الاقتصاد. والاقتصاد السوداني ليس استثناء فهو يعاني من عقود من خلل وعدم التوازن في قطاعاته الاقتصاديه الأساسيه. وبدلا من علاج المشكلة اي الحد من عدم التوازن في قطاعات الاقتصاد اندفع البعض باستمرار في مطاردة الأعراض وخاصة في عقود الانقاذ. ولهذا نرى انشغالا غبيا بطاهرة اقتصاديه مثل تراجع القوه الشرائيه للجنيه عملتنا الوطنيه بينما هذا التراجع في القوة الشرائيه هو عرض لمرض هو غياب سياسات كليه استراتيجية تخاطب تراجع الانتاجيه لتنعكس ايجابا على الصادرات وبالتالي توفير العملات.
ولاننا دوله يلعب فيها قطاع الزراعة والثروة الحيوانية دورا اقتصاديا أساسياً او هكذا يفترض ولكنا بدلا عن ذلك وحسب موقع وزارة الماليه ومصادر دوليه اخرى فان سياسات الانقاذ رغم انها وجدت هذا القطاع ينمو بنسبة ١٢.٣٪ الا انها بوعي او بدونه دمرته بصورة ممنهجه فخلال الفتره من عام الانقلاب ١٩٨٩/ والى العام ١٩٩٩ تراجع متوسط النمو في قطاع الزراعه الى ٨٪ على أساس سنوي وبعد ظهور البترول تم إهمال الزراعه تماما فانحدر متوسط النمو في القطاع الى ما دون ٣.٥٪ خلال الفترة من ٢٠٠٠ الى عام ٢٠١٨ ثم هوى النمو في القطاع عام ٢٠١٩ الى نسبه سلبيه بمعدل ٢.٥٪ حسب بعض التقديرات المعتمدة .
بينما بقليل من الاهتمام من الحكومه الانتقاليه الحاليّه وعبر توفير مدخلات الانتاج وسعر تحفيزي للمزارعين يرتفع هذا العام ٢٠٢٠ الانتاج الزراعي بصوره كبيرة وان ظل دون التطلعات.
وبالنسبه لقطاع الصناعه فقد عانى هو الاخر من جبايات تدميريه وسياسات منافسه غير متكافئه مع شركات القطاع العام فالانقاذ عملت على تدمير قطاع الصناعه فانسحب بالكليه من المساهمه في الناتج المحلي الاجمالي فهوى من ٣٨٪ في المائه على ايام الديمقراطيه الثالثه الى ما دون العشرين في المائه بسقوط نظام الانقاذ في ابريل ٢٠١٩
وتراجع ايضا قطاع الخدمات في السودان بصوره جعلته يختفي او لا يسمع له ذكرا في الناتج المحلي الاجمالي ففي موازنه الانقاذ الاخيره وحتى سقوطها لم تساهم المياه والكهرباء باي مبلغ في الميزانيه لعام ٢٠١٩ وكذلك شركات الامن وشركات وزارة الدفاع وأسهمت فقط وزارة الداخليه بمبلغ متواضع لا يتجاوز عشرين مليون جنيه.
ومع هذه التراجعات المرعبه في القطاعات كافه ينمو سكان السكان بمعدل سنوي يتجاوز ٢.٦٪
هذا التراجع في قطاعات الاقتصاد الكلي في بلادنا قاد للخلل المرعب في القوة الشرائيه للعمله الوطنيه. وانعكس تضخما سلبيا في الأسعار وفي عجز المستهلك عن مجاراة هذا التضخم المنفلت ، ونظرًا للفشل في الحفاظ على اسواق صادر المنتجات السودانيه في الاقليم وفي العالم فقد فاقمت قلة الصادر المشكلة فانعكست سلبا على اقتصاد السودان الكلي وعلى سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبيه.
وهناك فشل مزمن اخر وهو العجز عن استقطاب مدخرات المهجرين، بينما هي مورد للعملات الصعبه ولا يحتاج الا الى سياسات كليه ذكيه تستجيب لأولويات المهجرين. على ان مال المهجرين صار موردا مهما في اقتصاديات بعض دول العالم ومن حولنا.
ولا سبيل للخروج من هذا النفق الا بطرح الاسئله الأساسيه التاليه مع الاجابه عليها :
فهل لدينا رؤيه اقتصاديه للخروج من نفق الخلل في توازن قطاعات الاقتصاد الكلي؟
هل ما نقوم به من معالجات بشان هذا الخلل تقف خلفه رؤيه استراتيجيه ام انه مجرد مسكنات؟ ام انه ضمن حزمة سياسات كليه اصلاحية تتدرج في العلاج لكبح هذا الخلل وعدم التوازن في قطاعات الاقتصاد السوداني؟
السؤال الاخر ماذا فعلنا في ضبط الماليه العامه وما هي سياساتنا لكبح الإنفاق غير التنموي وضبط العجز المزمن؟
السؤال الثالث يتعلق بالاستثمار الاجنبي والعلاقات الخارجيه فهل لدينا وعي بوضع سياسات تخدم هذا الجانب ام انه متروك لخطب ميدان الاهليه وصفحات الميدان ولهجاء اصدقاء السودان؟
ولهذا ينبغي توليد رؤيه تجيب على هذه الأسئلة وتضع الحلول وتقدم توصيات
قابله للتطبيق كالتالي:
تطوير خطه اقتصاديه تقود عمل القطاع الاقتصادي خلال الخمس سنوات التاليه وتبدا بمعالجة الخلل في قطاع الزراعه والثروة الحيوانية
توفير الدعم والتدريب والتمويل لقطاع التعدين الاهلي وهو قطاع يعمل به حوالي مليون ونصف المليون عامل
ايضا دعم القطاع الصناعي وبالذات مشاريع الشباب والمبادرة الفرديه
وضع اليات واضحه لتنظيم المنافسه ومنع الممارسات الاحتكارية وذلك ضمن الرؤيه العامه للإصلاح الاقتصادي
واستنهاض شركات النسيج والأسمنت وسودانير وقطاع المصارف العامه
وضع سياسات ترفع مساهمة قطاع الخدمات في الناتج المحلي الاجمالي من المساهمه السلبيه الى الإيجابية
ابتداع سياسات تسهل تدفق استثمارات المهجرين السودانيين
العمل على تحديث قانون الاستثمار الحالي وأزالة كافة المعوقات التي تحول دون تدفق الاستثمار الاجنبي