فقدت فارسكى جزءاً من فؤادها، برحيل الخال مبارك سيد الفجائي، الذى نهش قلبها. حق لفارسكى أن تربط وسطها وتلطم وتهيل التراب، وتشق صدرها، وتصرخ حي وحي، مثلما فعلت يوم رحيل سكينة همت، وما مبارك الا صورة بالكربون من الجدة التى أرضعته ضمن ما أرضعت حب المكان الذي صنعت مجده. في اي وقت اذا انفرد بك مبارك فى ليل الخرطوم فاعلم أنه سيثير شجونك بحكاية الهجرة العكسية، ورجوع القمرة إلى وطن القماري.. وسيحدثك عن قراره العودة النهائية لمسقط الرأس، و الحق أن كثيرين مثله كانوا يتمنون فراق ضيق الكلاكلات، وجوطة سوق لفتها الى براح قرانا الوادعة النظيفة، المستحمة بمياه النيل، والمتعطرة بالكولونيا خمس خمسات، لكن ما يميز الراحل مبارك منهم انه لم يترك يوماً بيته في فارسكي بلا ترميم؛ لكى يكون جاهزاً لاستقبال الطير المهاجر، ناهيك عن زيارته السنوية والنصف سنوية والشهرية والنصف شهرية أحياناً، واحسرتاه..
يبدو أن الأمم القليلة البخت تلوذ بشبح مدينة كالخرطوم بحثاً عن خدمات لا تتوافر فى القرية، ونتيجة ذلك تخسر راحة البال، وأكثر من ذلك تخسر الوجدان . ولا يخالجني أدنى شك أن مبارك لو خير لحظة انقباض روحه لاختار أن يكون نخلة يتم غرسها فى ارض فارسكي بدلا عن رحيل الختيار .. والام فارس
فقدت فارسكى جزءا من فؤادها . برحيل الخال مبارك سيد الفجائي الذى نهش قلبها حق لفارسكى ان تربط وسطها وتلطم وتهيل التراب وتشق صدرها وتصرخ حى و حى مثلما فعلت يوم رحيل سكينة همت ، وما مبارك الا صورة بالكربون من الجدة التى أرضعته ضمن ما أرضعت حب المكان الذى صنعت مجده. فى اى وقت اذا انفرد بك مبارك فى ليل الخرطوم فاعلم انه سيثير شجونك بحكاية الهجرة العكسية ورجوع القمرة لوطن القمارى.. وسيحدثك عن قراره العودة النهائية لمسقط الراس ، و الحق ان كثيرين مثله كانوا يتمنون فراق ضيق الكلاكلات و جوطة سوق لفتها الى براح قرانا الوادعة النظيفة ، المستحمة بمياه النيل ، والمتعطرة بالكولونيا خمس خمسات ، لكن ما يميز الراحل مبارك عنهم انه لم يترك يوما بيته فى فارسكى بلا ترميم لكى يكون جاهزا لاستقبال الطير المهاجر ، ناهيك عن زيارته السنوية والنصف سنوية والشهرية والنصف شهرية احيانا ، واحسرتاه..
يبدو ان الامم قليلة البخت تلوذ بشبح مدينة كالخرطوم بحثا عن خدمات لا تتوفر فى القرية ونتيجة ذلك تخسر راحة البال وأكثر من ذلك تخسر الوجدان . ولا يخالجني ادنى شك ان مبارك لو خير لحظة انقباض روحه لاختار ان يكون نخلة يتم غرسها فى ارض فارسكى بدلا عن إهالة جثمانه الطاهر بتراب الكلاكلة !!
لقد فقدت أسرتنا ركيزة أساسية وعموداً رئيساً كانت تنهض عليه. كان ختياراً ودوداً مجمعاً عليه ومحل ثقة، بهدوئه وحكمته وحياده واحتكامه لقلبه الكبير أثرى أواصر أسرتنا ولحمتها وجدد دماءها، وبفضله حافظت أسرتنا على نسيجها الهندسى فى ظل عوامل التعرية التى فرضتها الهجرات والتشتت داخلياً وخارجياً، لا أحد مثله يعرف فى الأنساب
ولا أحد مثله يعرف تواريخ ميلاد ووفيات الناس أجمعين في ربعنا، ولا أحد أكثر إلماماً منه بتاريخ الحراك الاجتماعي ، وتفاصيل حياة الناس على مدى قرن كامل، وربما أكثر فى تلك الناحية.إذا رأيت كم المعلومات المتعلقة بالناس والمكان عنده.، تحسب أن الشيخ الذي يجمع الخراج، والمساح، والقابلة، وصمد الساقية ورواويس المراكب والتجار فى المراكب النيلية الخ كانوا يوردون له حصيلة عملهم بدلاً عن الجهات التي تشغلهم.
وكان مبارك الناطق الرسمي باسم فارسكي يحملها أينما حلَ.
إذا لقاك بالمصادفة فى ادأحد شوارع الخرطوم أو زقاقاتها وسط الهجير، فاعلم أن الحظ قد ابتسم لك كونه سيشعرك، كأنك جالس معه تحت شجرة صالح سروج تملأ رئتيك بالهواء النقى العليل، وترنو لأرض تنبت نخلاً وتاريخاً.
نعم سيترك فراغاً كبيراً فى أسرتنا.
نعم سنفتقد ألفته وحيويته، وحلاوة وطلاوة حديثه.
نعم سنتوق إليه وهو يجول بقامته الفارهة، وجلبابه المهندم، وبأدبه الجم متفقداً الناس. يصل الرحم، ويوزع الحب.
نعم سيردد أفراد أسرتنا فى كل المحكات، ماذا لو انه كان بيننا.
نعم سيبقى حاضراً فى القلب، والذكرى.
لكن رايته لن تتوارى وشعلته لن تنطفىء ، وحزام الأمان الذى أحكم ربطته فى خاصرة الاسرة لن
يحلَ نفسه ، ببساطة لأن جينات فارسكي كفيلة بإيجاد من يقتدون به ويحذون حذوه.
فقط دعوا فارسكى تنوح وتنتحب ربما تغسل حزنها يوماً !!