فلتتحملوني قليلاً .. فاليوم سألقي عليكم قولاً ثقيلاً .. وأطلب العفو مقدماً إذا تطاولت عليكم.
منذ اول مؤتمر صحفي للجنة إزالة التمكين، وبعد نهاية كل مؤتمر يصيبني ما يشبه الدوار، وأشعر بالغثيان، وأفرك عيوني بشدة؛ حتى أتأكد أن ما أسمعه ليس كابوساً، ولا حلماً مزعجاً .. إنما هو واقع يمشي برجليه بين الناس.
لا أريد أن أقسم بالله، ولكني أستطيع ان أؤكد أن ملفات الفساد التي تتلى علينا كل ليلة خميس لم يرد مثلها في أي دولة في العالم .. اي دولة سواء أكانت مسلمة أم مسيحية أم يهودية أم حتى لا دينية.
والسؤال المزعج الذي يقض مضاجعي، وقطعا يقض مضاجعكم أجمعين … أين كنا نحن وهؤلاء الفسدة يبيعون فينا ويشترون كما تشتهي أنفسهم وتشتهي شياطينهم؟! هل كنا مغيبين لهذا الدرجة ؟! هل كنا نائمين نوم أهل الكهف.
قطعاً وبدون أدنى شك أن تنفيذ هذه الجرائم تمت على يد بعض الموظفين الصغار منهم والكبار … أين هم هؤلاء الذين قاموا بالتوقيع على الأوراق الرسمية ومهروها بختم الدولة؟ هل مازالوا يعملون ويتقاضون مرتباتهم الشهرية من مال الدولة الذي هو في النهاية مالي أنا ومالك أنت؟!
اأن كان الصحفيون الذين يملؤون اليوم الدنيا بكاءً وعويلاً على الاسلام المفترى عليه؟ اين كانوا من هذا الفساد الذي فاق كل تصور؟!.. بعض الصحف وعلى استحياء شديد تناولت بعض ملفات الفساد، مثل: فساد شركة الصمغ، وبعض الفساد في مكتب والي ولاية الخرطوم. والغريب أن الملفين انتهيا بحوادث قتل غريبة، والجميع يعرفون التفاصيل ولا داع لتقليب صفحاتها هنا.
المشكلة أيها السادة الكرام أن الفساد لم يقف عند الرؤوس الكبيرة فقط ..الفساد انداح، وبشكل سرطاني في كل المستويات إلا ما رحم ربي. هؤلاء الموظفون الذين كان يسهلون للرؤوس الكبيرة ابتلاع الأراضي هم أيضاً مارسوا الفعل نفسه، وعلى مستوياتهم المختلفة حتى أصبحنا دولة فاسدة من رأسها حتى أخمص قدميها .. وعلينا أن نعترف أننا فاسدون من أقل موظف في أي محلية نائية في أطراف السودان، ويتدرج عندنا الفساد من هذا الموظف البسيط حتى يصل إلى أكبر رأس في هذه المنظومة.
الوضع صعب جداً ومعقد غاية التعقيد. كيف نتخلص من هذا الكابوس الجاسم في صدر الوطن المنهوب؟ لن نستطيع اإعادة بناء هذا الوطن إذا لم نجد حلاً لسرطان الفساد الذي ينهش في عظم الوطن وليس لحمه فقط.
نعم النظام السابق هو المسؤول الأول عن هذه الحالة المذرية التي وصلنا إليها .. هم الذين قادوا هذا الوطن إلى هذا الطريق المليء بالفساد والمفسدين .. الوزير الإنقاذي لكي يسرق أدخل معه كل العاملين في الوزارة المعنية لذات الفعل الدنيء وانطبق عليهم القول (إذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص) .
حقيقة نحن نحتاج الى فتح هذا الملف بكل شفافية وبكل قوة. يجب أن نجد الطرق العلمية التي تخلصنا من هذا الفساد المستشري في كل القطاعات، وألا ندفن رؤوسنا في الرمال. ومن هنا أدعو إدارة المناهج إلى التفكير في إدخال مادة دراسية ضمن المواد الدراسية عن الفساد ومحاربته؛ حتى ننشيء جيلاً صحيحاً معافي من هذا المرض العضال.
وعلى الحكومة أن تعترف أن الفساد مازال موجوداً، وبأشكال مختلفة داخل دواوين الحكومة.. والاعتراف بالمشكلة هو أولى خطوات الحلّ.
لا نريد عناوين فضفاضة مثل مفوضية الفساد ..والخ … نريد تفكيراً عملياً جاداً وورش عمل داخل مؤسسات الدولة وسنّ القوانين وقفل كل الثغرات التي يدخل عبرها الفساد، وليكن شعارنا: “ثورتنا لن تنجح بدون محاربة الفساد والمفسدين”.
حمى الله وطننا من الكورونا، ومن الفساد والمفسدين.